فوزية الجار الله
ليس أجمل من لحظات القراءة والاكتشاف، أحبّني حين أكون مأخوذة بها وحين تستغرق أوقاتي وأنفاسي ..
يواتيك شعور أحياناً بأن الباب مفتوح والطقس ثقيل، شديد الحرارة، النافذة بحاجة إلى إصلاح، الدرب مسدود والفوضى تحتل رأسك، الوقت يمضي ولا سبيل إلى الخلاص هنا تأتي القراءة لترتب هذه الفوضى الطارئة وتستعيد من خلالها ألق روحك وما تبدد من أمانك وسكينتك. سعدت جداً بقراءة رواية الكاتبة السعودية، الزميلة العزيزة ليلى الأحيدب «عيون الثعالب» التي تضمنت قضيتين هامتين الحداثة في الأدب وقضية العلاقة بين الرجل والمرأة في الوسط الثقافي على وجه الخصوص.
استغرقتني الرواية وشدتني منذ بدايتها حتى نهايتها حيث تملك ليلى لغة جميلة واثقة صادقة، أدهشتني قدرة ليلى اللغوية إضافة إلى براعتها وقدرتها الفائقة على حياكة الرواية بخيوط حريرية وأخرى مخملية رائعة وهذا سر جمالها التي تراوحت ما بين القدرة على ترتيب الأحداث وصياغتها يتخلل ذلك تحليلاً للمشاعر الإنسانية حيث يتضح ما بين صفحات الرواية ذلك التناقض الفاضح السافر في شخصيات بعض المثقفين من الجنسين ما بين كتاباتهم الإبداعية وذلك الواقع الذي يعيشونه.
أدهشتني الكثير من مقاطع الرواية منذ مطلعها الذي تقول فيه (كنت في العشرين من عمري مؤهلة تماماً لأكون مجنونة، أنثى ضحلة ووقتي من رماد...) ثم وهي تصف صوت يوسف (صوت ذهبي بأوتار مشدودة جداً، صوت يستقبل بحفاوة، حيوي وجهوري وله صدى، عندما يهمس يصبح لصوته ارتداد مخملي نافر يجعلني أغمض عيني بشدة وكأني أدخل في لجة بحر! وعندما يضج صوته بثرثرة عامة أشعر وكأني أراقصه في ساحة مفتوحة...) ثم نأتي إلى هذه الفقرة الصادمة التي نتمنى من أعماقنا ألا تكون حقيقة حين تقول لها زميلتها ندى (المشكلة أن كل المثقفين نصوص رديئة، نصوص مستهلكة ومليئة بالثقوب، نصوص مستئذبة!.. يبقى المثقف مثقفاً محترماً حتى يقتنص الأنثى بداخلك، عندها يتحول لذكر يفتض كل بكارات روحك مزهواً بنفسه، لذلك كنت أقايضهم بكتابتي، تريد الأنثى في داخلي، غازل نصي بكتابة تصعد به..).
بطلة القصة فتاة مثقفة مولعة بالكتابة يبهرها نموذج ثقافي يتمثل برجل ناجح متميز بثقافته يمتلك صيتاً رائعاً لكنه في حقيقته إنسان متناقض يحمل روحاً وأفكاراً مشوشة ملتبسة، تدخل الفتاة في معمعة هذا الانبهار ثم تدفع الثمن غالياً لسوء اختيارها لكنها رغم ذلك تتماسك تحاول باستماتة أن تقلل خسائرها إلى أدنى حد ممكن.
رواية ليلى الأحيدب «عيون الثعالب» رواية جميلة مميزة جديرة بالقراءة.