محمد بن عيسى الكنعان
عُقدت ورش برنامج التحول الوطني خلال شهر ربيع الأول 1437هـ (ديسمبر 2015م)، حيث ناقشت تلك الورش التي ضمت وزراء ونخباً اجتماعية جملة قضايا وطنية أبرزها التعليم، والإسكان، والصحة، والثقافة والترفية والحكومة الإلكترونيّة، والحماية الأُسريّة، وأنَماط الحيَاة السّعوديّة، والأداء الحكومي، ومساهمة القطاع الخاص، وغيرها من القضايا. وفي يوم الاثنين؛ 18 رجب 1437هـ (25 أبريل 2016م) كان الوطن على موعد مع حدث كبير، حيث أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع (الرؤية المستقبلية 2030م للمملكة العربية السعودية)؛ لمرحلة ما بعد النفط، عبر خطط شاملة ذات برامج اقتصادية واجتماعية وتنموية عديدة.
خلال هذه الفترة من ورش البرنامج إلى إعلان الرؤية، التي لا تتجاوز أربعة أشهر ساد جدل فكري وحوار اجتماعي بين السعوديين على مختلف مستوياتهم النخبوية والشعبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على خلفية ما ظهر للعلن عن المناقشات التي جرت في ورش برنامج التحول الوطني، ثم الأحاديث الإعلامية التي أدلى بها ولي ولي العهد لـ(بلومبيرق) عن التوجهات الجديدة للمملكة، حيث صارت المادة الرئيسة لحوارات السعوديين في الإعلام ومواقع التواصل، فظهر في المشهدين الإعلامي والإلكتروني بعض الآراء والأخبار المفتعلة عن تحولات اجتماعية جذرية في الحياة السعودية؛ من قبيل قيادة المرأة للسيارة، وفتح دور السينما، خصوصاً أن تلك الآراء والأخبار قد زادت وتيرتها السلبية وتفاعلاتها الجدلية بين المغردين السعوديين عقب صدور قرار مجلس الوزراء القاضي بإعادة تنظيم عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
بسبب هذا الجدل الفكري المفتوح، والحوار الاجتماعي غير المنضبط للمغردين السعوديين تم تحجيم القضايا الكبرى لبرنامج التحول الوطني إلى قضايا أخرى تُعتبر هامشية في الحياة السعودية، كما تم تجاهل أهداف مهمة للبرنامج مثل تطوير التعليم وقياس الأداء ووضع مؤشرات اقتصادية وغير ذلك. إلا أن إعلان الرؤية 2030م جاء قاطعاً لذلك الجدل، وحاسماً للحوار البيزنطي حول كثير من قضايا المجتمع، حيث نقل الجميع من النظرة القاصرة لدى البعض إلى رؤية واسعة تُشكِّل أهدافاً طموحة لمملكة المستقبل، والعمل بمبدأ الأولويات في التعاطي مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية، بحيث لا يحدث الخلل في مسيرة تحقيق هذه الرؤية الإستراتيجية. وأن ينشغل المواطنون بالقضايا الكبرى لتفاصيل حياتهم اليومية ومجالاتها التنموية، ويتركوا الجدل حول قضايا هامشية تعتمد على تحولات المجتمع ورغباته وموافقته عليها.
من هنا يجدر بنا جميعاً أن نستشعر حجم المسؤولية الملقاة علينا للمشاركة الفاعلة والإيجابية في إنجاح هذه الرؤية الطموحة، التي ستتحول خلال الشهور القليلة القادمة إلى برامج عملية وخطط ومشاريع تنموية مهمة، ولعل إعادة هيكلية كثير من الوزارات، واستحداث بعض الهيئات وترتيب كثير من مهامها، التي صدرت بالأوامر الملكية الكريمة، يوم السبت 30 رجب 1437هـ؛ دلالة واضحة على التحرك الفعلي والجاد في إطار هذه الرؤية، ما يعني أن نترك الجدل، ونركن إلى العمل كل حسب موقعه ووفق مسؤولياته، وأن لا نستبق الرؤى والأمنيات بشأن تحولاتنا الاجتماعية المرتبطة أصلاً بهويتنا الثقافية الإسلامية وانتمائنا الوطني السعودي.