د. محمد عبدالله العوين
كيف يمكن أن يعلل متأمل استهداف خوارج هذا العصر من الدواعش رجال الأمن في بلادنا دون غيرهم؟ ومن أفتى لهم بذلك؟ وكيف وطنوا أنفسهم على أن قتل رجال الأمن جهاد مزعوم؟ وما هي غاياتهم البعيدة من وراء هذا الإجرام؟ وهل سيكتفون برجال الأمن أم إن جهادهم المزعوم سيشمل لاحقا بقية فئات المجتمع؟!
تساؤلات مقلقة عن موبقات خوارج هذا العصر؛ فكيف نفهم نواياهم؟ ثم كيف نحيلهم إلى مرجعيتهم الأولى وما ارتكبوه من جنايات قبيحة في فضلاء الصحابة رضي الله عنهم؟ ومن شرع لهم لهم الطريق الدموي العبثي لهدم كيان الأمة؟ وما هي أهدافه البعيدة من استنبات فئة تعيش بين ظهراني المسلمين وتسعى إلى هدم كياناتهم؟
لقد رأينا قبيح أفعال خوارج هذا العصر في قتل رجال أمن بلادنا والسعي للنيل منهم بكل الوسائل؛ فلم خصوا رجال الأمن قبل غيرهم؟ وكيف استحلوا دماءهم وماذا يريدون وراء ذلك؟!
لا يجهل أقل الناس ثقافة دينية حديث ذي الخويصرة الذائع في وصف هذه الفئة الضالة المنحرفة التي تنبأ رسولنا الكريم بخروجها في وقت نزاع بين الأمة، والحديث الشريف مروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي وصف فيه هذه الفئة الضالة وصفا دقيقا؛ فذكر أنهم أهل عبادة كما هو شأن الدواعش والتكفيريين اليوم «يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم» ويلحظ من هذا الوصف الدقيق من رسولنا الكريم أنهم مبالغون مجتهدون في أداء الصلاة والصيام وقيام الليل والتهجد وسائر النوافل وقراءة القرآن الكريم وكل ما يمكن أن يتقرب به العبد إلى ربه؛ ومع كل هذه المظاهر التي قد تثير إعجاب أو انخداع من يتأمل عباداتهم لكنهم «يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» وفي رواية «فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة».
وكما يتبين؛ فإن ذا الخويصرة هو أول خارجي أعلن احتجاجه على نبينا الكريم وأراد أن يحدث فوضى وانشقاقا بين جماعة المسلمين وشغبا في الدولة الإسلامية الأولى الناشئة، فلما هم أحد الصحابة بقتله نهاه نبينا وقال له «دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم ....» وفي رواية «سيخرج من ضئضئ هذا نفر يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم» الحديث..
ثم أبان رسولنا عن صفات الخارجي الذي يقود جماعة من أصحابه الخوارج على حين فرقة من الناس «..آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر» وقد وجد هذا الرجل مقتولا بالصفات نفسها في معركة النهروان 38هـ حينها أيقن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ضرورة استئصال شأفة الخوارج المارقين الذين خرجوا عليه وعلى غيره من ولاة المسلمين بعد معركة صفين 37هـ التي وقعت بينه وبين معاوية بن أبي سفيان، فرفضوا إيقاف الحرب بعد أن استجاب علي لرفع جيش معاوية المصاحف على أسنة الرماح، رمزا لطلب الصلح وتحكيم كتاب الله؛ لكن أولئك الخوارج بقيادة عبد الله بن وهب الراسبي خرجوا في اثني عشر ألفا على علي، وقالوا: إن الحكم إلا لله، لا بد من قتال معاوية وعلي الذي استجاب للصلح، وكفروهما، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل.
يتبع..