د.علي القرني
لا تزال تلعب موسكو دور شركة علاقات عامة للنظام السوري، فكلما اشتدت المواقف الدولية عليها او ارتكب نظام بشار مجازر وأمعن في قتل المدنيين وضربت طائراته المدارس والمستشفيات وظهر ذلك على شاشات التلفزة الدولية أو أعلنته منظمات أممية من الداخل السوري، جاءت موسكو كشركة علاقات عامة استأجرها بشار الأسد لتتدخل وتحاول أن تبني صورة جديدة وتعطي تفسيرات مختلفة للمشهد الدموي الذي شاهده العالم.
وكما توصي شركات العلاقات العامة عند وقوع أي أزمة تطلب من الجهة التي تستأجرها إن كانت شركة أو مؤسسة أو دولة أن تتظاهر بفعل شي ما أمام الرأي العام حتي يظهر أن هناك فعلا قد تم أو سيتم فعله. وفي هذا الخصوص تقوم موسكو باستدعاء جون كيري الوزير الذي قد يبدو أنه يعمل في الخارجية الروسية ليجتمع به وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ويتم تصويرهما أمام عدسات التلفزة العالمية وبحضور مندوبي وكالات الأنباء الدولية.. يبتسمان ويتصافحان ويدعيان بأشياء ليست موجودة أو أنها مجرد ذر الرماد في العيون.. وتنتهي القصة.. ويعود كيري إلى منزله دون أن يعرج على البيت الأبيض لأن رئيسه باراك أوباما يعلم سلفا أن كيري ولا حتى أمريكا لديها الإرادة لإحداث أي تغيير في المشهد السوري..
وعندما يشتد القتال في بعض المناطق السورية ويتأزم وضع قوات بشار الأسد وتوشك قوات المعارضة أن تتقدم على بعض الجبهات تنبري موسكو سريعا وتتصل بالسيد كيري. ويسرع هذا الوزير مهرولا إلى وزارة الخارجية الروسية ليناقش مع لافروف عن احتياجات النظام السوري، وسرعان ما يتفقان على هدنة في تلك المناطق التي يوشك النظام أن يفقدها.. ويظهر من جديد لافروف وإلى جانبه كيري «الوزير المطيع لتعليمات روسيا» معلنا عن هدنة في تلك المناطق التي يتضرر منها النظام السوري، ويظهران من جديد أمام الرأي العام العالمي ليعلنا عن هدنة جديدة، وبالتالي يبدو أن أمام العالم أنهما يحقنان الدماء السورية، هكذا تطلب شركة موسكو للعلاقات العامة أن يظهرا يبتسما ويتصافحا ويلقيا كلماتهما المعتادة عن حرصهما على الحل السياسي..
لقد حفظنا نحن مشاهدي تلفزيونات العالم الدور الذي يقوم به السيد كيري في إجرائية تصنعها شركة موسكو للعلاقات العامة لدعم النظام السوري فهو لا يتعدى أن يقوم فقط بتنفيذ ما تطلبه موسكو منه.. يأتي إلى أي مكان تريده موسكو، وبأي وقت تريده أن يأتي، ويظهر أمام عدسات التلفزة الدولية، ويتصافحان ثم يبتسمان دون أن يكون قد دار داخل قاعة اجتماعهما أي شيء يذكر.. ولكن الأهم هو تبصيم أمريكا على قرارات موسكو في سوريا..
وفي نظر العالم أن الولايات المتحدة قد سلمت أوراقها كاملة لموسكو، ونجحت موسكو بوتن أن تجرجر أمريكا إلى حيث تريد وتبصم على كل شيء تريده موسكو، دون أن يكون لواشنطن أي تأثير على مجريات الشأن السوري.. ودورها فقط أن تمرر قرارات موسكو وتباركها وتوقع عليها وتصادق على أوراقها.
أعتقد في ظني أن المواطن اكس x في أورور بولاية كلورادو المكان الذي ولد فيها جون كيري قد لا يفتخر بوجود مثل هذا الشخص الذي يقتاده وزير خارجية روسيا بأي وقت وبأي مكان ليصفق باسم الولايات المتحدة الأمريكية ويوقع نيابة عن الشعب الأمريكي على صفقات روسيا ومصالحها في سوريا، ويصادق كيري باسم مبادئ العدالة وحقوق الإنسان على الدماء السورية البريئة للأطفال والنساء التي يزهقها بشار الأسد من شعبه وبمباركة من روسيا. نعم لن يفتخر هذا المواطن الأمريكي بجون كيري الذي أهدر حياء الوجه الأمريكي أمام الرأي العام العالمي، وأصبح بلا هوية و شخصية أمام لافروف نتيجة أن أمريكا استسلمت لروسيا لتفعل ما تشاء في سوريا بمباركة أمريكية.
إن المواطن الأمريكي في ولاية ماساتشوست لن يفتخر بجون كيري الذي كان يمثل الولاية في مجلس الشيوخ الأمريكي، لأنه بمجاراته ومصادقته كشاهد وحيد على سياسات روسيا الدموية في سوريا يكون بذلك قد أهان المبادئ العظمى التي وضعها المؤسسون الأوائل للدستور الأمريكي ويكون كيري قد داس على هذه المبادئ والقيم الأمريكية بخضوعه الكامل لمتطلبات روسيا في منطقة الشرق الأوسط.
صحيح أن جون كيري يعمل في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ولكن لو كنت مكان كيري كنت قد قدمت استقالتي من منصب وزير الخارجية، لأن سياسة أوباما خلقت شراكة حتمية مع روسيا في ارتكابها مجازر دموية في الشعب السوري، وأصبح هو مجرد نقلة جندي في لعبة شطرنج تلعبها موسكو وتحركه أينما تريد، وهذا ما أضاع هيبة أمريكا في العالم، وخلق منها ما يمكن أن نقول إنه أضعف سياسة أمريكية في الخارج على مر العقود الماضية، يواكبها صناعة شراكة مع روسيا في عمليات القتل والتدمير التي يقودها نظام بشار الأسد بمباركة من باراك أوباما وسكرتيره للخارجية، الذي أوشك أن يكون سكرتيرا في وزارة الخارجية الروسية لدى السيد لافروف.