د. حمزة السالم
استجلاب الخبرات الأجنبية للبلاد يكون تحت ثلاث صور. الصورة الأولى صورة محمودة مطلوبة وذلك بأن يُأتى بالأجنبي كخبير ومعلم فيتعلم ابن الوطن منه ليكون مؤهلا ومستقلا للقيام بتلك المهام مستقبلا ولينقل هذه الخبرات والعلوم إلى الأجيال من بعده، بعد أن يضيف إليها إبداعاته ونكهته الوطنية، كالنموذج الصيني، وهذا مع الأسف يكاد يكون معدوما أو محدودا في عالمنا العربي.
أما الصورة الثانية فهي بأن يُأتى بالأجنبي لتنفيذ مهام ومشاريع ثم يرحل دون أن يخلف وراءه معرفة كيفية تنفيذ هذه المشاريع من العدم وتكون مهمة ابن الوطن بعد ذلك هو إدارة الاستفادة من هذه المشاريع واستغلالها, وهذا ما نجده غالبا في بلادنا. وإن استغلال المشاريع والاستفادة منها دون معرفة كيفية إنشائها يمنع الأمة من الاستقلالية ويجعلها أبدا أمة تابعة لغيرها لا تستطيع فكاكاً من قبضة الأجنبي، يضاف إلى ذلك أن عدم معرفة كيفية الإنشاء سينتهي بهذه المشاريع إلى الخراب وإلى التخلف والتقادم حتى لا تصبح الاستفادة منها ممكنة. وإن إنشاء المشاريع من العدم هو التحدي العقلي والجامعة الحقيقية الكبرى التي تدفع العقل البشري إلى التقدم والابتكارية والتطوير وهو الذي يحافظ على هذه المشاريع من التقادم والتهالك وهو الذي يبني البنية التحتية للعقل الوطني لينهض بالبلاد والعباد إلى مصاف أرقى الأمم الحضارية ومن ثم التغلب عليها.
وأما الصورة الثالثة لاستجلاب الخبرات الأجنبية للبلاد فهي بأن تُطلق يد الأجنبي فيُحكم في المشاريع إنشاء وإدارة واستغلالا. فالأجنبي هو الذي يخطط ومن ثم هو من ينقل الأحلام إلى الواقع ثم هو من يعيش هذا الواقع ويستمتع به بنفسه وبعائلته, فهو إذن محور موضوع المشاريع إنشاء وإدارة واستغلالا, وفي هذه الصورة، الأجنبي لا يبني وطنا لغيره بل يبني وطنا لنفسه بديلا عن وطنه الأم.
اليابانيون والألمان والكوريون الذين عاشوا تحت الهيمنة الأمريكية ردحا من الزمن لم يستسلموا لهم بتسليم إدارة تفاصيل الأمور للأمريكان، بل باشر أبناؤهم بناء بلادهم بأنفسهم مستعينين بالخبرات الأمريكية الأجنبية فأدركوا بذلك الاستقلال الحقيقي.
لم يدخل أجنبي بلدا ليبنيها ثم ليخرج منها تاركا خلفه ما بنى وشيد إلا أن يدفع أهلها الأصليون فاتورة البناء من دمائهم ومآسيهم، وما جنوب إفريقيا عنا ببعيد.
عند إقبال الأمور ما هذه إلا نظرة تشاؤمية رجعية، وعند إدبارها تُذهل الصحوة بعد السكرة عن التفكر فيما حدث لماذا حدث.
ونحن هنا في السعودية سنواجه تحديا مستقبليا حقيقيا سيصعب علينا التعامل معه إن لم نرق ونتغلب على خبرة ودراية الأجنبي الذي غلب وسيطر على كثير من أنحاء المنطقة المجاورة, والذي سيصبح الآمر الناهي في هذه المناطق مستقبلا.
لذا فمن مصائب التقليد عندنا دون تفكير، أخذ بعض الدول نماذج مقارنة لنا لنحتذي بها. ولم يدخل أجنبي بلدا ليبنيها ثم ليخرج منها تاركا خلفه ما بنى وشيد إلا أن يدفع أهلها الأصليون فاتورة البناء من دمائهم ومآسيهم وما جنوب إفريقيا عنا ببعيد.
فهل سيتكرر نموذج لبنان، لبنان النزاع والاقتتال، وهل ستجد إيران مناطق أخرى غير لبنان والعراق واليمن وسوريا فتلعب دورها المحبب إليها والتي تجيده جيدا، دور إيقاد نار الفتن والحروب في المنطقة؟ أم هل سيتكرر نموذج هنود أمريكا الحمر ولكن على الطريقة الحديثة؟ أم هل سنبكي أندلس أخرى؟
مما يزهدني في أرض أندلس
أسماء معتضد فيها ومعتمد
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد