سام الغُباري
* لا أحد يتحدث عنه، ليس له مصورون ومدونون، وكتبة وكُتاب ينقلون للناس تفاصيل معاناته، وقوة تحمله، وأيام بريقه، وإنطلاق لمعانه وصليل سيفه، وخوار أعداءه، وفرار خصومنا وخصومه.
- في المعركة التي تتحرر منها اليمن كلها، وديانها وجبالها، سهولها وقيعانها، هضابها وتبابها، آبارها وحقولها، سماؤها وأرضها، يخوض اللواء الركن محمد بن علي المقدشي رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الوطني هذه الحرب بيقين مؤمن، وإخلاص بطل، وتضحية مقاتل، ولهذا قصة يجب أن تروى.. فاتبعوني:
- ينحدر الجنرال الجديد من خارج منظومة الحُكم التقليدية، فهو لم يكن لاعباً رئيسياً في الكثير من عواصف البلاد وحروب النظام السابق، وصل إلى رأس أهم منطقة عسكرية بُعيد إتفاق رئاسي مع أطراف القوة بتحييدها عن المشهد العام عقب أحداث الربيع العربي بالعام 2011م، فصار «علي محسن» مستشاراً للرئيس، وطار «أحمد علي» إلى سفارة اليمن في أبوظبي، وحين سقط أصحاب الربيع من رفاقهم السابقين، خرج الجنرال المقدشي من المنطقة العسكرية الهامة التي آلت إلى أحد المتهمين بقتل الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي ويُدعى «محمد الحاوري».
- ظل بطلنا بعيداً عن الأضواء حتى اجتاح اليمن وباء الكوليرا الحوثية، رافضاً المساهمة في تدعيم عُرى الإنقلاب والتعامل معه، غادر إلى المملكة العربية السعودية، ولحقه الرئيس هادي وحكومته، وصار الأمر إليه، بتعيين مفاجئ في قيادة الأركان اليمنية، مهمته الأولى هي بناء جيش وطني يعيد ما سلبه الإنقلابيون من سلطة وجغرافيا إلى أيدي الحكومة الشرعية التي غادرت مُكرهة بلادها ولجأت إلى أرض الخير والكرامة في العربية السعودية.
- وعلى حدود مأرب التي تتقاطع مع الجوف وحضرموت وشبوة، بدأ اللواء محمد المقدشي خطته الجديدة لإعادة بناء جيش مزقته الصراعات وحولته خطط الهيكلة إلى كتائب متناحرة تتقاذفها أطماع العديد من الميليشيا الوقحة، كانت المهمة مستحيلة، وصل المقدشي بسيارة عادية إلى ساحة معسكر جائع على أطراف حضرموت باتجاه مأرب، إلتقى بمن بقي منهم، 300 جندي فقط وعدد من الضباط فاقدي الأمل والحيلة.
- كانت قبائل مأرب في تلك الأثناء تخوض آخر معاركها مع الغطرسة الحوثية التي باتت على بعد أمتار من المجمع الحكومي، الحوثيون يتقدمون ويسيطرون على معسكرات مهمة، وإستراتيجية، وقوافل الذخائر والمرتزقة يتوافدون على جبهات مأرب، يعززون جبهاتهم، وتأتي المفاجأة بسقوط محافظتي الجوف الحدودية، وشبوة أيضاً التي كانت في يد الانقلابيين منذ زمن، وبهذا أصبح جيش المقدشي الصغير وآماله بين يد مفترس لا يرحم.
- ثلاثمائة جندي جائع فقط هذا كل ما بقي من الجيش المؤيد لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، التحديات الساخرة من انتصارهم تتضاءل يوماً وراء آخر، الجيوب المقاومة لانقلاب الحوثي تنحسر وتظهر، معارك صغيرة لا تستطيع التقدم وإعادة الأمل بحكومة يمكنها الوصول مجدداً إلى عُمق العاصمة صنعاء واستعادتها.
- الرئيس الذي كان وزيراً لدفاع صالح في معارك الانتصار الوحدوي بالعام 94م، يتحدث عن وعد بعلم جمهوري يرفعه فوق جبال «مران» المعقل الرئيسي لعبدالملك الحوثي في صعدة، فيما يفرز الواقع معطيات أخرى مناقضة لوعد لا يمكن لأكثر متفائل في فهم طبيعة الحروب الوطنية أن يستوعبه، الجميع يفر من اليمن، والمقدشي يعود إلى هناك مع عدد من أبنائه الذين يشكلون وحدهم الحماية الشخصية لرئيس الأركان الجديد.
- وصل المقدشي إذاً.. إلتقى ببقية جنوده، وشكل منهم وحدات جديدة وأعاد تدريبهم وفق قواعد الاشتباك، ودعا بقية الجنود إلى العودة لممارسة أدوارهم الوطنية للتصدي لهمجية الإنقلاب الغادر، تداعى الكثير لداعي التحرير، وشكل المقدشي أولى الألوية العسكرية المحاربة بدعم لوجستي من قيادة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وفي أطراف مأرب على أراضي محافظة حضرموت، حيث كانت تلك المنطقة الوحيدة التي تؤمن خط الإمداد الإستراتيجي للقوات النظامية الجديدة تحرك الإسناد الهائل والمتقطع لمواجهة قوى البغي الظلامي.
- كان اللواء محمد المقدشي يتعرض لضغط هائل، الحوثيون وحليفهم الرئيس المخلوع صالح يعرضون عليه كميات ضخمة من المال، كنت مُطلعاً شخصياً على مبلغ ضخم بقيمة خمسين مليون دولار لقاء إنسحابه من رئاسة الأركان، وتعيينه رئيس لبقايا أركان كتائب صالح المهزومة، وقيادة لجان الحوثيين مع تأمين مالي ولوجستي متصل من مهربي السلاح ومن مخازن الجيش السابق التي تم تهريبها إلى مناطق عديدة وتخزينها في الجبال المحيطة بالعاصمة صنعاء.
- رفض المقدشي كل ما تقدم بإيمان جمهوري صادق وعميق، فعمد الحوثيون على تفجير منازله المهيبة في مسقط رأسه بمحافظة ذمار، وكان الرجل وحيداً وسط ثلة من الجنود الأحرار في معسكر العبر بأطراف صحراء حضرموت الملتهبة، والحوثيون على أعتاب مجمع مأرب الحكومي، ذخيرة المقاومة الشعبية تنفد، والمدد لم يصل، والرجل لم يتراجع.. هاشم الأحمر الذي يحمل عِرقاً صلباً من جمهورية والده شيخ حاشد الحكيم يبني جيشاً صغيراً في أطراف الجوف بتوجيه رسمي من القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس عبدربه منصور هادي، كل شيء ممزق إلى هذه اللحظة ومخازن أسلحة المنطقة الأولى بمحافظة حضرموت في قبضة الصمت، لا أحد يعرف لمن يكون ولاء هذه الكتائب المتبقية من جيش طويل وعريض سقط في لحظة واحدة بيد ميليشيا عنصرية تناهض النظام الجمهوري، والمدني والاستقرار والسلام والعدالة الإسلامية.
- استطاع رئيس هيئة الأركان العامة الجديد إقناع قيادة المنطقة العسكرية الأولى بدعم جهود المقاومة وكتائب الجيش الموالية للشرعية في منتصف مأرب، وصل المدد والذخائر والآليات المؤقتة لصد تقدم الحوثيين المستمر.
- محافظ مأرب سلطان العرادة يقاتل أيضاً بأبنائه ورجاله في معركة مصير، معركة حق، حرب أسطورية، خرافية استطاع من فيها أن يقضي على آمال البغاة الحوثيين بالوصول إلى رمزية السلطة المحلية وسط مأرب.
- الجيش الصغير بدأ يكبُر.. الأحرار يتوافدون إلى مأرب، وينضمون إلى إخوانهم أبطال المقاومة السابقين، اليمن بكل أطيافها وعمالقتها ورجالها ومناطقها، من تعز وذمار وإب والحديدة وحجة والمحويت وعدن وشبوة ويافع، القبائل أيضاً ترفض الضيم وقد خانها عديد مشايخها الجبناء، تنضم مراد وحميقان والحدأ وعنس وبكيل الموت، وخولان حمير ومئات من أفراد همدان ويام وحاشد وقيفة المتأخرين دائماً وما أعسرهم، قرى مأرب المدهشة تثور وتغلي، تفور كتنور، ويضيء غضبها سماء الحرية كنار الجحيم المقبل على أوغاد الشياطين.
- لن يستطيع هوميروس في ملحمته الإغريقية «الإلياذة» وصف مايحدث، ولا ملك نينوى في ملحمة جلجامش التاريخية التعبير عن بطولة رجال اليمن الذين تقاطروا من كل زاوية وركن تلبية لنداء الحرية الذي رفعه فخامة الرئيس المشير عبدربه منصور هادي، وقائد الجيوش العظيمة اللواء محمد بن علي المقدشي، نحن بحاجة لعبقري آخر ينقل للتاريخ والأحفاد معركة الثورة اليمنية الجديدة، حيث صاغت الإرادة الوطنية مفاهيم ملحمة لا يتخلف عنها سوى الطامعين والعبيد.
- إننا أمام فريق آخر، عدن تتحرر، الجنوب اليمني ينفض عن شوارعه الطاهرة دنس الغزو الإيراني، سجّلت الضالع أولى المحافظات اليمنية بأساً وبطولة وحرية بخلاصها من رجس الإنقلابيين الخبثاء، وشكلت وحدها وبخبرة أبنائها المقاتلين الأشداء أسطورة تحرير مختلفة وصادقة، وتقدمت مأرب، الجوف كذلك، شبوة، تنفست حضرموت رغم كل الجراح الإرهابية الأخرى، ووصلت الراية إلى حدود صنعاء.
- جيوش الشرعية التي يقودها اللواء المقدشي وفريقه الباسل (الطاهري والشدادي وبحيبح ونمران وغيرهم) تقاتل اليوم على أطراف صنعاء، بعد وادي نهم، وخلال أيام ستنضم أرحب، وتزئر همدان والحيمة وبني الحارث، وبني حشيش، القبائل الحرة الأبية تُدرك وضاعة الميليشيا الحوثية الوقحة، وهي وحدها الأكثر رغبة في الاستقرار، وحباً بالدولة، وأملاً في السلام الذي لا يتحقق بوجود الفيروسات الحوثية الكهنوتية.
- معركة الوطن القادم بدأت بعد كل هذا البناء والتسليح والتدريب والإعداد المتقن، صار الثلاثمائة جندي سبعين ألفاً، كل فرد فيهم يحمل قلباً من الصخر، وإرادة من الفولاذ، وتاريخاً من النضال والتضحية، الإعلاميون الأحرار يواكبون الحدث، الصور تأتينا تباعاً، والمنصات الدعائية تتحرك مثل صواريخ الكاتيوشا تُحرق قلوب الذين قالوا إنهم أبناء الله وخاصته.
- تعز تقاوم وتقاتل بأظافرها، وترابها وحجارها، بأصابعها، يخونها رجال أعمالها وساستها ومنظريها الوقحين، ولكنها رغم بُخل الغيث ما برحت تنحت في الصخر بأظافر العدم.
- اليمن كله مشروع حياة.. ومن يتخلف اليوم عن داعي الحرية، والوحدة والنضال المستحق فقد ترك العار خلفه وصار هو العار الذي يمشي على رجلين.
- بمساندة الجميع من قوى قبلية وقيادات اجتماعية وعسكرية وأمنية، وتحت ظلال القائد الجديد وبحماس متجدد من رئيس البلاد وحكومته، وصل المقدشي بجيشه إلى عمق مأرب ومابعد مأرب حيث جوف اليمن وعمقها التاريخي النبيل، دُحرت كتائب صالح وميليشيا الحوثي وأشرقت الشمس مرة أخرى على صحراء سبأ العظيمة، وتنفس السد العظيم، والتفت اليمنيون مرة أخرى إلى الشمال الشرقي، حيث ظهر التُبع اليماني الجديد مشرقاً ومهللاً بوطن آخر يتحرر بصدق من كل أرذال الماضي الإمامي المريع.