د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
**في مفتتح العمل الإعلامي للجيل المخضرم الذي وُجد قبل كسر الحواجز الفاصلة بين الممارس المهني ومتابعيه، كان الردُّ الرسمي المصوغ بلغة العلاقات المتخشبة مظنةً للتباهي بين من يسكنهم هاجس الشهرة، وربما تعمد بعضُهم مشاكسة الجهات الحكومية كي يحظى باهتمامها وما يقابلُه من تيسير خدماتها له وفتح أبواب مسؤوليها أمامه بما ينقلب معه الموقف مدحًا وقدحًا، كما قد يعني المبدعَ ما يتلقاه من رسائلِ إشادةٍ أو لمسات توجيه؛ حيث لا يحتفي بهم ذوو اليسر ومسؤولو الأجهزة التنفيذية؛ فيكفيهم أن «يسعد النطق» ولو لم تسعف الحال، وكذا تمضي حياة الوراقين المهنيةُ بين أعطيةٍ وأغنية، وتنقاد الشهرة فيتورم المنخدع ويتجاوزها الواثق، ويعيش الجميع مسكونين بما في ذواتهم من نورٍ أو ديجور.
** ودون إيغالٍ في التنظير حول قيم الحياة، فإن ملامحها تتبدلُ وفق ما تعكسه دواخلنا المضيئة والمعتمة، وتختلط الأدوارُ فيشقى الغنيُّ ويُسرُّ المُعوز، وقد يُرى الليلُ ضحىً والشمسُ دجى، وفي مراحل العمر تختلفُ إيقاعاتُ الإشراق والظلمة وفق متغيرات التفكير ووعي التغيير.
**لا إضافةَ إلى حقيقةٍ نحسُّها ونلمسها في أنفسنا وغيرنا؛ لتبقى بعض المواقف المفصلية غيرَ قابلةٍ للمقارنة مع القيم المادية أو الحضور الوجاهيّ؛ فلا أجمل من أن يبلغ المرءَ ثناءٌ لم يسعَ إليه ممن لا يُتبعه بمنٍ ولا يريد نظيره أيَّ جزاء؛ فكيف حين تأتي التحية من إنسانٍ غادر الدنيا لا يرجو غير عفو ربه والدعاء.
** هنا تبدأ حكاية الكتاب - المفاجأة الذي اكتشفه أبناء المغفور له الأستاذ الباحث أحمد بن عبدالله الدامغ ضمن ملفات والدهم المتوفى في الخامس من شهر رجب 1435هـ معنونًا: (الأدب المستحسن في رسالة إلى أبي يزن) مهدىً إلى صاحبكم ومحتويًا على أنابيش تراثية حول القلم والرسالة والدواة والكتابة والكتاب ونحوها في مئة وخمسين صفحةً من الحجم الكبير، مستشهدًا فيها بألف بيت شعري وخمسة سبعين مرجعًا علميّاً، ويعود تأليفها إلى سبعة عشر عامًا مضت، ولم يشر إليها في حياته - رحمه الله - فلعله شاء أن تكون مبرأةً من كل ما قد يعتورُ الصفاء والوفاء من شبهة المجاملة أو المصلحة.
** لم يغشَ أيٌ منا منزل صاحبه، بل لم نلتقِ في جلسات خاصة، ويوشك أن يقول وعامة إذ لم تهده ذاكرته إلى شيء منها، عدا مهاتفات محدودة لا تتجاوز السلام العابر، لكنه فضل أبي عبدالله أن وضعه ضمن من اصطفاهم وأسهم بينهم فاستهم صاحبكم دون أن يدري، وكذا جاء وقعُ العنوان والإهداء والتوطئة وكل صفحات الكتاب بهجةً لا تدانيها معلقاتُ مديح مشوبةٌ بعوامل «واقعية أو تخيلية» قد تقلل من قيمتها الذاتية والفعلية.
**لن تفي الكلمات بحق راحلنا الكريم، وهذا المقال ليس أكثر من إعطاء أنموذج فريد للعطاء المخبوء الذي فاض محبةً وامتناناً.
**للحياة لونٌ لا يُرى.