محمد عبد الرزاق القشعمي
وقد ألف في حياته الكتب التالية:
- التوجيه الإسلامي للنَّشء في فلسفة الغزالي ( رسالة ماجستير ).
- المنقول والمعقول في التفسير الكبير لفخر الدين الرازي ( رسالة دكتوراة ) .
- الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك .. مدرسة ذات منهج .
- بحث في التوجيه التربوي : أهميته، مفهومه، أهدافه.
- منطقة الجوف ( ضمن سلسلة هذه بلادنا ) التي تصدرها الرئاسة العامة لرعاية الشباب.
- شارك في كتاب فصل من تاريخ وطن وسيرة رجال : عبد الرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة الجوف.
بعض عناصر رؤيته التربوية المستقاة من رسالته للماجستير(التوجيه الإسلامي للنَّشء في فلسفة الغزالي ):
- المسؤولية الكبرى التي يتحملها الوالدان وكل من يوكل إليه أمر الطفل، إِذْ يقول ( الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال إليه، فإنَّ عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له ). ص 80
- قابلية الغرائز للتهذيب. واستدل بذلك بقول الرسول ( ص ) (حسنوا أخلاقكم )، وعليه فهو يوصي بالتهذيب لا بالقمع للغرائز.. ويستنكر على من ظنوا أن المقصود من المجاهدة قمع الشهوة والغضب ومحوها، ويقول : ( هيهات فإنَّ الشهوة خلقت لفائدة هي ضرورية في الجبلة، فلو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإِنسان، ولو انقطعت شهوة الوقاع لا نقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية لم يدفع الإِنسان عن نفسه ما يهلكه ولهلك ) ص 82، ص 68
- أهمية القدوة وأثرها في سلوك الطفل، وعن ضرورة المحافظة عليه من قرناء السوء، إِذْ يقول ( وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء) ص 90
- أهمية اللعب. وفي هذا يقول ( ينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعبا جميلا يستريح إليه من تعب المكتب، بحيث لا يتعب من اللعب، فإنَّ منع الصبي من اللعب وإرهاقه في التعليم دائما يميت قلبه، ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص من رأسا ) ص 91، وهو ما يتفق مع أحدث النظريات التربوية الحديثة القائمة على مبدأ ( التعليم عن طريق اللعب ) .
- الثواب والعقاب، وفيه يقول ( فإنَّ الإكثار من الزجر والتأنيب وتكرار اللوم والعتب، كل هذا قد يأتي بعكس المرغوب فيه، كما أن المدح والتشجيع كثيرا ما يكونان سببا في الإصلاح. أما من ناحية تخويف الصبي بأبيه باعتباره مركزا للسلطة في العائلة، فينبغي أن يكون شخصا يحترم ويحسب حسابه لا أن يكون رمزا للرهبة والخوف ) ص 95 .
- دور المعلم، وهو أهم العوامل في تحقيق التربية، ولذلك فقد حدد الامام لشخصية المعلم أوصافا.
- ووظائف، أهمها : إعطاء المعلمين والرؤساء القدوة العملية من أنفسهم مستشهدا بقوله تعالى ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) ص 102.
وحدد ثماني وظائف للمعلم هي:
1 - الشفقة.
2 - ألا يطلب المعلم على إفادة العلم أجرا.
3 - ألا يدع من نصح المتعلم شيئا.
4 - اتباع أسلوب التوجيه بطريق التعريض لا التصريح وطريق الرحمة لا طريق التوبيخ ( فإنَّ التصريح يهتك حجاب الهيبة، ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف، ويهيج الحرص على الإصرار).
5 - أن يكون المعلم واسع الأفق متسامحا.
6 - أن يدرك المعلم الفروق الفردية بين المتعلمين فيما يتعلق بذكائهم.
7 - ألا يفتح للعوام باب البحث فإنه يعطل عليهم صناعتهم التي بها قوام الخلق، ودوام عيش الخواص.
8 - أهم الوظائف وهي أن يكون المعلم عاملا بعلمه، فلا يكذب قوله فعله لأن العلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار، فإذا خالف العمل العلم منع الرشد ) ص 108.
اختتم حياته بتأسيس دار معارف العصر للنشر والتوزيع بالجوف، التي ضمت في ركن من أركانها مكتبة خاصة، هيأها المؤسس لمن أراد البحث والاستزادة من الباحثين. توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 25 / 11 / 1431هـ الموافق 2 / 11 / 2010 م وهو في طريقه من الجوف إلى الرياض بطائرة الإخلاء الطبي إثر مرض ألم به.
وقد رثاه كثير لما تمتع به من أخلاق عالية وحب للجميع وخدمته لبلاده وأبنائها، فهو يعد بحق من أبرز مثقفي وأدباء الجوف.
قالوا عنه بعد رحيله :
أول من رثاه تلميذه معالي الدكتور عبد الواحد الحميد بعد أيَّام من وفاته بجريدة الرياض وهو يتذكر مدرسة الطين الابتدائية الشمالية التي سميت ( مدرسة فلسطين ). إِذْ غاب مدرسهم الفلسطيني المشهور بقسوته والعصا لا تفارق يده، وحضر بدلا عنه وقال : ( كان وديعا لا يحمل بيده عصا وراح يحدثنا في نهاية حصة الدين عن قصة أهل الكهف، وانتهت الحصة قبل أن تنتهي حكاية أهل الكهف فرجوناه أن يكمل القصة.. ) واختتم رثاه بقوله ( أكتب عن هذه الشخصية الفذة بدافع الوفاء والإعجاب.. فهو من الجيل الذي حفر بأظافره في بيئة وظروف غير مواتية حتى وصل إلى المكانة الاجتماعية والعلمية والوظيفية المرموقة ) .
وكتب عنه فيما بعد باستفاضة في مجلة ( الجوبة ) إِذْ أفردت له ملفا في العدد (30 ) شتاء 1432 هـ - 2011 م وبعد أن عدد صفاته وأبرز شيئا من مناقبه ومنها أنه ( الإِنسان المحترم ) لكونه يحترم نفسه ويحترم الآخرين.. فهو شديد الأدب، وأقرب إلى الحياء المحمود، لا يؤذي أحدا، ولا يدخل مع الآخرين في مهاترات أو مشادات.. ( وعلى امتداد حياته حقق نجاحات كبيرة وكثيرة، فقد عرف بالنباهة والفصاحة، ومنذ صغره.. عندما كان يتلقى العلم الشرعي على يد الشيخ فيصل المبارك، ودخل معترك الحياة الوظيفية بتأهيل بسيط.
وفي ظروف لم يكن التعليم الحديث متاحا، فعمل في حقل التدريس معلما في مدرسة ابتدائية، وشق طريقه يمارس العمل والتحصيل الدراسي في آن واحد، حتى حصل على أعلى المؤهلات العلمية ) وقال: إنه بدأ التدريس عام 1374 هـ واستمر في الحقل التربوي إلى أن أصبح مديرا عاما للتعليم. وعمله الثقافي الخاص بإنشاء ( دار معارف العصر للنشر والتوزيع بالجوف )، ولم يقتصر على هذا بل كان له دور مهم في المجال التطوعي الخيري، فعمل أمينا عاما لجمعية البر الخيرية بالجوف، ونائبا لرئيس الحياة الثقافية من خلال عضويته في مجلس إدارة جمعية الناشرين السعوديين، وعضوية المجلس الثقافي بدار الجوف للعلوم، ومشاركاته العديدة في الندوات والملتقيات الثقافية. وقد رثاه آخرون نذكر منهم : إبراهيم الحميد، محمود الرمحي، د. زياد بن عبد الرحمن السديري، عبد الرحمن الدرعان، نايف صالح المعيقل، فواز صالح الجعفر، معاشي ذوقان العطية، فارس الروضان، عبد البديع عراق، ملاك الخالدي. ويحسن أن نختتم هذا بما قاله الأديب عبد الرحمن الدرعان عنه : ( قضى عمره في البخور ) ( كيف يموت الذي ترعرع في بياض الاقحوان، وقضى عمره في البخور، هل نبكي الموتى ؟ أم نرى الموت في الجثمان الأخير ونخشى مباغتاته المحتملة ؟ أم نبكي بساتين أرواحنا التي أودى الذبول بها مع من نحب ؟ صامتا ذلك الصمت الذي يعلو فوق الكلام.. أنيقا كما لو أنه يتأهب للسفر في أية لحظة.. هادئا يحدق في أفق يتناءى كأنما يصغى لنداء خفي.. عينان تغيمان في التأمل.. شموس تصاهر جفنية وعلى يديه سيماء الكتب.. لا تكاد تجده إلا بجوار ابتسامته الخضراء.. كما لو أن كل الحدائق تلوذ بأكمامه).