محمد عبد الرزاق القشعمي
سمعت كثيراً وبإعجاب عن الدكتور حسن يوسف نصيف وزير الصحة الأسبق 80-1383هـ سواء في مجال تخصصه الطبي (طبيب العائلة) أو في مقالاته وقصائده الساخرة التي كان ينشرها بتوقيع (ابن سيناء)، وكنت بجدة منتصف عام 1418هـ لمقابلة بعض الرواد والمهمين في مجالات مختلفة ومنهم:
الدكتور عبدالله مناع والأساتذة: محسن باروم وحسين عرب وعمر عبد ربه وأبو تراب الظاهري وعبدالغني قستي وعبدالفتاح أبو مدين، فحصلت على هاتف الدكتور حسن نصيف فاتصلت به وعرفته بنفسي وعملي بمكتبة الملك فهد الوطنية وأنني أقوم بتسجيل لقاءات مع بعض الوجوه الاجتماعية وأحب أن تكون أحدهم لتسجيل ذكرياتك من خلال أهم المحطات التي مررت بها. فاعتذر بلطف ذاكراً إصابته إثر سقوطه وتعرضه لكسر في إحدى رجليه. وأنه لا يتنقل إلا بكرسي متحرك.
دعوت له بالشفاء والعافية على أمل أن يكون لي لقاء قادم معه. ولكن (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) فمرت الأيام سريعاً ما سمعت بوفاته رحمه الله.
تتبعت بعض ما نُشر له من مقابلات صحفية رغم قلتها وعرفت شيئاً من سيرته، فهو يقول إنه ولد بحارة المظلوم بجدة عام 1340هـ/1922م.
بدأ تعليمه في كتّاب الشيخ محمد عطية تعلّم فيه القراءة والكتابة وعلوم القرآن وبعد عام التحق بمدرسة الفلاح بجدة ثم مدرسة تحضير البعثات بمكة. وبدأ يميل إلى القراءة الحرة، وبدأ بقول الشعر وهو في المرحلة الابتدائية ويعيد الفضل لمدرسي اللغة العربية آنذاك لتنمية المواهب وخص بالذكر عبدالوهاب نشار وأحمد قنديل، وتشجيع والده الذي كان يعمل محامياً شرعياً ويشجعه بتبييض مذكراته وقضاياه ونسخ الأنظمة التي كانت تنشر في الصحف.
وخلال العطلة الدراسية عمل لدى أحد أقاربه بمكتب تجاري وكان يشغل فراغه بتحسين خطه وتعلّم الحسابات التجارية، كما كان يذهب إلى خارج أسوار جدة، حيث تتجمع المياه بـ(الصهاريج) وقت المطر ثم يقوم بتعبئتها في براميل ويبيعها للناس.
وأثناء دراسته بتحضير البعثات بمكة عمل مدرساً بمدرسة الفلاح بجدة أثناء الإجازة الصيفية براتب 40 ريالاً، وقد توثّقت علاقته بالشاعر حمزة شحاتة بعد أن تعرَّف عليه في قهوة البخاري بمكة وكان معجياً بأشعاره ونوادره الأدبية، وقال إنه تأثر به في بدايات كتاباته بالجرائد بدءاً بصوت الحجاز.
وبعد تخرّجه من مدرسة الفلاح عام 1355هـ/ 1936م وكان يتوق إلى الابتعاث للدراسة في مصر ولكنه سمع بافتتاح مدرسة لتحضير البعثات فكان لا بد من دخولها حتى يتم ابتعاثه للدراسة بمصر والتي كان يحلم بها.
وقال إنه شارك في التمرد الذي نفذه الطلاب عند نقل المعلم أحمد العربي من المدرسة ولمحبتهم له وإعجابهم به فقد امتنعوا عن الدراسة مما اضطر مدير التعليم طاهر الدباغ إلى تهديدهم بالفصل والحسم من درجات الأخلاق، وبعد مدة صدر العفو عن المفصولين وعاد أحمد العربي مرة أخرى وكان حازماً، إذ فصل مجموعة من الطلاب لتأخرهم عن صلاة الظهر فتوسط لهم الشاعر أحمد الغزاوي.
أنهى دراسته وابتعث مع زملائه إلى مصر مع بدايات الحرب العالمية الثانية.
وكان سفر البعثة الطلابية إلى مصر متأخراً عن موعد الدراسة، إذ كان يفضّل الالتحاق بكلية الآداب ولكنه وجد نفسه في كلية الطب دون رغبة، وقال: إن الملحق الثقافي أي مراقب البعثات ولي الدين أسعد يدور بالطلاب بين الكليات فهذه تعتذر لتأخرهم عن الدراسة وأخرى للخوف من ضعف مستواهم. وبقي يدرس الطب لمدة ثماني سنوات رغم ميوله الأدبية وكان ذلك عام 1361هـ/ 1942م واستمر حتى عام 1370هـ حيث عاد للمملكة وعمل طبيباً بمستشفى أجياد بمكة المكرمة، وفي عام 1372هـ عيّن مديراً لصحة مكة، وفي عام 1374هـ عيّن مديراً فنياً لمكتب وزير الصحة وفي عام 1376هـ عيّن مديراً عاماً للوزارة حتى عام 1380هـ عندما أصبح وزيراً للصحة، وقال: إنه يشعر بالسعادة طوال حياته. والمهم عنده سعادة الآخرين ومدى قبولهم لما قدّمه لهم أثناء عمله.
وقال إنه فُوجئ بمكالمة هاتفية من المستشار بالديوان الملكي عبدالعزيز المعمر باختياره للوزارة ويطلب منه الحضور للديوان للسلام على الملك سعود وذلك في شهر رجب 1380هـ وأن ناصر المنقور هو الذي أبلغه بالخروج من الوزارة في شهر شوال 1383هـ.
وقال إنه تولى وزارة الصحة بإمكانياتها المتواضعة، ومع ذلك استطاع أن ينجز بعض المهمام ومن أهمها إنشاء أول مدرسة للممرضات في الرياض وجدة بعد إقناع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة، وفتح باب ابتعاث الطالبات للخارج لدراسة الطب، وإحضار كبار الأساتذة المتخصصين من مصر وإنجلترا لمعالجة المرضى في مستشفياتنا في دورات قصيرة ومتعاقبة. وكان مرض الملاريا وقتها منتشراً فوضع له خطة قضت عليه تقريباً. وكان عدد الأطباء السعوديين لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، وقال أن الطبيب الناجح هو الذي يتقن عمله ويخلص في مزاولته.
وعند سؤاله في مقابلة له بمجلة اليمامة (عدد 1424) في 16-4-1417هـ هل تناقص أصدقاؤك بعد أن تركت الوزارة..؟ أجاب بقوله: بل ذابوا..! وقال إنه عمل طبيباً في عيادة خاصة بعد خروجه من الوزارة.
علماً بأن الذي اختاره مديراً لصحة مكة المكرمة عام 1372هـ هو الأمير عبدالله الفيصل أول وزير للصحة في المملكة، وأنه تولى وزارة الصحة بعد وزيرها الثاني الدكتور رشاد فرعون عام 1380هـ.
وقد اشتهر وعرف عنه أنه أول من فاجأ المستشفيات والمستوصفات بزياراته المفاجئة، وبطريقة تخفي شخصيته كوزير للتفتيش والتأكد من سلامة الإجراءات المتبعة نحو استقبال المرضى وحسن معاملتهم.
وقد كتبت عنه جريدة الأضواء (عدد 63) وتاريخ 4-2-1378هـ الموافق 19-8-1958م – عندما كان مديراً عاماً لوزارة الصحة - تحت عنوان: (شخصيات) «الدكتور حسن نصيف، ذكاء وكفاءة... وكان أنبغ انداده - في مدرسة الفلاح - طيلة زمن الدراسة، وحافظته أشبه ما تكون بالعدسة (الفوتوغراف) ينعكس عليها أو بالأحرى تلتقط كل ما يمر أمامها مما يقرؤه في الكتب أو يسمعه من أساتذته في الدرس.. وزملاؤه يقولون عنه بأنه كان يحبس نفسه ليالي وأياماً يقضيها بين الاستذكار والدراسة والمختبرات، وكان منافسه الأول في هذا السبيل هو الدكتور حامد هرساني، وكانا فرسي رهان في فصول الدراسة.