د.عبدالعزيز الجار الله
الحياة مليئة بالشخصيات الجاذبة التي تملك النفوذ الناعم، رغم أنها لا تملك السلطة ووجاهة المال والمنصب، ماجد الشبل -يرحمه الله- رحمة واسعة يملك سحر الصوت والشخصية الآسرة، جمال الصوت وعذوبته تجعلك تصادقه حتى إن لم تره، فقد مكنه من الوصول لقلوب جيل الحجر والطين الذي تعرف عليه باكراً في الستينات الميلادية، حين كانت الرياض المدينة والحلم تتعرف على نفسها وتعيد رسم عمرانها وشوارعها، والتلفزيون في البدايات الأولى، تعرف جيلي والجيل الذي سبقنا على صوت ماجد الشبل في سلاسة الكلمة والثقافة المتدفقة المطعمة بمياه بردى ودمشق القديمة، صوته عروبي فصيح، و(هجين البيئات) جمع عرار نجد بهضابها ورمالها وعشائرها الرحل ومنحنيات حافاتها الصخرية الحادة واليابسة، وبين رياحين وربى دمشق بكل إرثها الأموي وجمال أحيائها الشامية.
كنا ممن هم على الضفة الشرقية من وادي البطحاء أحد جدائل وباطن وادي حنيفة حيث تمركز التجار الأوائل والمهاجرين من مدنهم وأقاليمهم الشمالية: حلة القصمان، الغرابي، شارع الريل سكة القطار، دوار سمير أميس والشمسية -كنا- ننظر إلى الحافة الغربية من وادي حنيفة مرحلة ما بعد الحلل: شارع الخزان، شارع الوزير، شارع التلفزيون, شارع الباخرة، وفيما بعد شارع الكباري (طريق الملك فهد)، ننظر إلى غرب البطحاء بالبوابة الواسعة التي توصلنا بالعالم حيث مقر الإذاعة والتلفزيون، وأصوات جمهرة و(نباج) كما تقول العرب عن الأصوات الكثيفة والقوية أصوات: د. عبدالرحمن الشبيلي، محمد الشعلان، مطلق مخلد الذيابي، أشعار وطنية مسلم البرازي، وصوت وديع الصافي، مهدي يانس، د. بدر كريم، سليمان العيسى وغيرهم.
كان الناس لتوهم يتلمسون الإعلام، والإذاعة والتلفزيون بالنسبة لهم حالة إبهار وحالة دهشة، والطريق من شارع الخزان إلى محطة التلفزيون هي النقلة التقنية والحضارية للارتباط بالعالم.
ماجد الشبل طير مهاجر عاش الغربة مرتين عندما غادرت عائلته عنيزة القصيم في رحلة العقيلات التي سيرها الأجداد القدامى من القرن الخامس الهجري واستمرت حتى عهد الاستقرار السعودي، حين بنى هذه الدولة الملك عبد العزيز وأمن استقرارها يرحمه الله، والهجرة الثانية الرحيل من دمشق الأهل والطفولة ومرابع الصبى ثم العودة إلى الرياض المدينة البكرية التي تتنفس نفل وخزامى نجد أرض العشق والملاذ الطيع للمهاجرين بأرواحهم، عاد إلى رحم العروبة وبطائح أرض الهجرات الأولى هجرات عرب الشام والعراق, وعاش بها -الشبل الماجد- كل تفاصيله حتى وفاته في مستشفى التخصصي وهو يطل على أطراف شارع التلفزيون الذي أحبه ودفن فيه طيره المهاجر.