د. أحمد الفراج
لا يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية ديمقراطية كاملة الدسم، فهي ديمقراطية منتقاة، وقد كتبت كثيرا عن هذا الموضوع، وسأعيد الكتابة هنا، لأننا أمام حالة تشرح نفسها بكل وضوح، وهي المنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطي، بين وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت، برني ساندرز، وغني عن القول أن نقد الحراك السياسي الديمقراطي لا يعني الانتقاص منه، بقدر ما يعني إيضاح بعض الجوانب التي قد تخفى على غير المتخصص، فالسيناتور ساندرز يبلي بلاء حسنا هذه الأيام، وأصبح تقدمه الحثيث يقلق معسكر هيلاري كلينتون، فقد فاز عليها في ولاية انديانا، قبل أكثر من أسبوع، ثم فاز عليها في ولاية فرجينيا الغربية، قبل أيام، ولولا تصويت من يسمون بالمندوبين الكبار لهيلاري كلينتون، لربما أصبح وضعها سيئا، بل لربما خسرت الترشح أمام ساندر، فمن هم هؤلاء الناخبين الكبار؟!.
في أمريكا، لا تحتسب أصوات الشعب الفردية، بل أصوات المندوبين، فهناك عدد محدد من المندوبين لكل ولاية، حسب تعدادها السكاني، ويمثل المندوب الواحد مجموعة كبيرة من الناخبين، وعندما تصوت هذه المجموعة الكبيرة من الشعب لمرشح معين، فإن صوت المندوب يذهب لذلك المرشح، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بإمكان المندوبين أن يغيروا وجهة تصويتهم لمرشح آخر، ضد إرادة الشعب، وهو الأمر الذي نادرا ما يحدث، لأنه يعني ببساطة تفريغ قيم الديمقراطية من معناها، وهذا الأمر يعتبر مقبولا مقارنة بأصوات من يسمون « المندوبين الكبار «، ففي الحزب الديمقراطي هناك أكثر من سبعمائة صوت، يملكها ممثلوا الحزب في الكونجرس، وحكام الولايات الديمقراطيين، وكبار مسؤولي الحزب، وهؤلاء يصوتون لمن يريدون، وتصنع أصواتهم فارقا كبيرا في هوية المرشح، وهذا ما يحدث حاليا في سباق الحزب الديمقراطي، بين هيلاري وساندرز!.
لقد صوتت غالبية المندوبين الكبار لهيلاري كلينتون، إذ صوت لها أكثر من خمسمائة، في مقابل أقل من خمسين صوتا لساندرز، ولو افترضنا أن جزءا كبيرا من هؤلاء المندوبين الكبار غير رأيه، وصوت لساندرز، بدلا من هيلاري، وبإمكانهم فعل ذلك، لتغيرت هوية المرشح المحتمل للحزب، وهذا ما يفعله المرشح ساندرز هذه الأيام، فهو يسعى بكل قوة لإقناع المندوبين الكبار بالتخلي عن هيلاري والتصويت له، لأنه الأقدر على هزيمة المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، كما يردد، وتظل مشكلة ساندرز أنه يغرد بعيدا عن المؤسسة السياسية الرسمية، وعن سياساتها، بل ويتهجم عليها، وهذه المؤسسة هي القاعدة الصلبة لهيلاري، ولا ندري عما إن كان المندوبون الكبار سيغيرون تصويتهم، ويتخلوا عن هيلاري لصالح ساندرز، وهو أمر مستبعد، ولكننا نعلم أن فوز هيلاري عن طريق الناخبين الكبار لا يمت للديمقراطية بصلة، بل هو ديكتاتورية محضة، يتبناها الحزب الديمقراطي لفرض المرشح الذي يريد، رغما عن الإرادة الشعبية، ولهذا تكثر الأصوات التي تطالب الحزب الديمقراطي بتغيير هذا النظام، الذي لا يشبه الديمقراطية التي يتغنى بها الشعب، ولكن كل الأمور تشير إلى أن هذا لن يحدث، ومع ذلك فإن السباق الديمقراطي يستحق المتابعة خلال الفترة القادمة، فقد تحدث بعض المفاجآت.