يوسف المحيميد
لم يكن يراهن على طلته الجميلة، ولا على صوته الرخيم، ولا على ثقافته فقط، بل كان يدرك أن كل ذلك - رغم أهميته - لن يصنع منه مذيعا لافتا، ما لم تكن لغته العربية سليمة، فحين ينساب الدعاء من صوته العميق، تشعر أنه يعلو نحو سماء ثامنة، وحين يقرأ الشعر تحلِّق فجأة حولك أسراب الفراشات الملونة، ويسيل أمامك جدول ماء، وتغرد طيور صغيرة وملونة، حتى حين يقرأ الأخبار رغما عنك، لا تسمع فحسب، وإنما ترى وتتخيل ما يقوله، حتى لو لم يكن ثمة مقطع فيديو يخص الخبر.
لم يكن المشاهد أو حتى المستمع، يرى أنه يتفنن في الإلقاء، أو يفتعل ذلك، وإنما كان يرسل القصائد من أعماقه وروحه، ويتلو على سجيته وفطرته، كأنما يعلمنا البساطة في القول، والعمق فيه، وكأنما رحلة حياته الشخصية تختزل تاريخنا المحلي، وذلك في رحلة والده، من القصيم إلى الشام، كأحد رجال العقيلات العصاميين، كأنما هذا الأب القصيمي غادر الغضا في عنيزة، كي يتزوج سيدة شامية، اغتسلت بمياه بردى، فيأتي هذا الماجد، الذي اختلفا في اسمه، فهو «محمد» بالنسبة للأب النجدي، وهو «ماجد» للأم الشامية، لكنهما اتفقا ومعهم جيل بأكمله، أنه صوت لا يُقاوم، حتى من قبل الأجيال اللاحقة التي عشقت صوته، وربما هناك من أحب الشعر بسببه، فمن يقرأ قصيدة «أضحى التنائي بديلا من تدانينا» لابن زيدون، أو قصيدة «العين بعد فراقها الوطنا» لخير الدين الزركلي، لن تتملك روحه كما لو كان سمعها بصوت ماجد الشبل - يرحمه الله- لأن سماعها بإلقاء الراحل وفخامة صوته، يورط المتلقي بكلمات وعبارات وصور فنية تتلبس خلايا جسده، ولا تفارقه مطلقا.
نعم أكاد أجزم أن معظم جيلي، والجيل الذي تلاه، حفظ القصائد التي قرأها بصوته، في برنامجه «شاعر وقصيدة»، وأحب هذه القصائد كثيرًا، وكذلك أدرك أن متابعي برنامجه «حروف» قد تزودوا بالمعرفة والثقافة من خلال كم متميز من المعلومات، فضلا عن المتعة في المنافسة بين فريقين يرسم كل منهما طريقه بالحروف، إما الأخضر أو الأحمر، قبل أن يقاطع فريق فريقا منافسا، كانت تلك متعة نادرة في زمن مبكّر، وهي تثقيف برداء الترفيه.
فماذا يمكن أن نقدم لأحد رواد التلفزيون، وأحد أبرز رموزه؟ كيف نجعل اسمه يبقى ويتردد؟ هل في إطلاق اسمه على قاعة محاضرات في التلفزيون، أو إحدى كليات الإعلام، أو أحد الأندية الأدبية؟ هل نسمع عن مسابقة أو جائزة إعلامية باسم الراحل؟ هل تبادر وزارة الثقافة والإعلام، أو هيئة الإذاعة والتلفزيون، بإحياء ذكرى هذا المثقف والمذيع المتميز؟ هي أسئلة لا نتوقف عن طرحها كلما افتقدنا صوتا وطنيا متميزا في الثقافة والآداب والفنون والإعلام، فنشعر بالمرارة أن ننسى ذكراهم رغم أثرهم الكبير في حياتنا.
رحم الله المذيع ماجد الشبل، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه الصبر والسلوان.
وخالص العزاء لأسرته وأقاربه، ولجميع محبيه في أرجاء الوطن.