رجاء العتيبي
فطريا المجتمعات تمارس الترفيه على نطاق واسع ولم يحدث يوما أن مجتمعا توقف عنه, تمارسه عن طريق الأسرة والمجتمع والعمل, ولو رحت تنظر لاستراحات حي (الشفا) جنوب الرياض من منظور جوي لوجدت في كل استراحة (أورج), ولو نظرت لحفل زواج من الباب وأنت على عجل, لرأيت رقصا هنا وهناك يختلف باختلاف ثقافة المجتمع أما لو سرت في شارع الستين قديما لوجدت سباق الخيل, والآن تجدها هي ذاتها في نادي الفروسية بالثمامة, خذ الاحتفالات بكل أنواعها, هي نوع من أنواع الترفيه.
أما لو تتبعت الموضوع أيام زمان ورجعت قليلا للخلف, لوجدت الترفيه حاضرا في كل (عاير) من عواير أحياء الرياض, قد تجد أناسا يلعبون (أم تسع), أو أناسا يتجاذبون أطراف الحديث ( قصيد قصص ) في المشرقان, وهناك من يغني على الرصيف, وآخر يجر الربابة في الصحراء, أو أناسا يتابعون فيلما سينمائيا في نادي الهلال أو النصر, وستجد أيضا من يتابع (أم حديجان) من أجل الفائدة والترفيه, وابحث عن مثل ذلك وستجد الكثير.
حتى الخطاب الديني أيام الصحوة الذي ركز على الوعظ (ترغيبا وترهيبا), لم يسلم من الترفيه, فكانت محاضرات الشيخ/ سعيد بن مسفر مليئة (بالقفشات) المضحكة ويكاد المجتمع في تلك الفترة لا يبتسم إلا معه, جاء بعده الشيخ/ الجبيلان وفتح باب الترفيه على مصراعيه فجاءت المواعظ المضحكة مقبولة من الحضور وانسابت رسائلة الوعظية إليهم بسلاسة.
تاريخيا حفل بلاط الخلفاء والولاة بأنواع الترفيه: صوت صفير البليلِ, النقائض, والحكواتية, وخيال الظل, سباق الخيل, الصيد, المصارعة, شعر الغزل, وكان الناس في ذلك الوقت يضحكون حتى (يستلقون على قفاهم), واقرأ إن شئت كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني لتعرف المزيد, وإن لم يكن لديك وقت يكفيك أن تقرأ اسمه (الأغاني) لتعرف الكتاب من عنوانه.
لم يستطع أحد منع الترفيه ولن يستطيع, ولكننا قد نختلف على نوع وشكل الترفيه, وهذه مسألة أخرى, أما الموقف الذي لا يطاق هو أن تجبر الناس كل الناس على ترفيه مفصل على ثوبك بحسب وجهة نظرك أنت, وأنت لست دولة ولا كيان مؤسساتي, وهنا مركز المشكلة, اليوم وبصدور الهيئة العامة للترفيه, ستعزز الجانب الترفيهي للمجتمع دون وصاية من أحد, ولكن ستدور عجلته من خلال أنظمة رسمية من الدولة, تخدم جميع فئات المجتمع وبطريقة اقتصادية يكون لها عائد مادي يسهم في التنمية البشرية, وهذا ما كنا نحتاجه ونطالب به من سنوات (نظام عادل يعمل من خلاله الترفيه) يؤكد الوحدة الوطنية بعيدا عن أي منطلقات حزبية.