د. صالح بن سعد اللحيدان
العقل في أصله موهبة ربانية، لا يتغير العقل في مساره ما دام الإنسان حياً يرزق، لكن إذا كان لا يتغير فهل يمكن القول أن العقل قد يستفيد في الحياة؟
جملة من العلماء في أساسيات الطباع والأخلاق قديماً وحديثاً جزموا بأن العقل لا يتغير بل يبقى على خلقه كما هو،، وإنما تعقله التجارب في الحياة وحوادث الأيام بإذن الله تعالى.
وأصل هذا الدليل المادي الذي دونته التراجم لكبار العلماء في علوم ومعارف شتى كثيرة ومتنوعة، لكن تبقى هنا أصوله .. أعني العقل تلك التي لا بد من الإشارة إليها بقليل من القول، وهذه الأصول بيانها من لوازم معرفة الفرق بين عقل وعقل فإذا نشأ المرء في بيت جيد، حكيم، قوي، حازم, أمين نشأ العقل حراً واثقاً كريماً.
وإذا نشأ العقل في بيت أو في بيئة يسودها القمع والخوف والدهاء السلبي فإن العقل ينشأ مريضاً خائفاً متردداً.
وإذا نشأ العقل - وهذا رابعاً - نشأ في بيت أو في بيئة جاهلة أو بعيدة عن أصول الفطرة وفقه الحياة وحسن الأخلاق نشأ العقل هنا في حال (مرض نفسي) يظهر ويختفي.
وفيما أعرضه الآن من «تراجم» سوف يتبين حال قوة العقل وسؤدده إذ أنه نشأ في بيت حر وبيئة كريمة وحرة، وإذا كان قصدي بيان حقيقة ما ترمي إليه الأسماء والكنى والألقاب فإنه سوف يظهر كيف هؤلاء لا من كبار العلماء فحسب بل من كبار «العظماء» أبداً نلحظ هذا جزماً في أصول التربية الباكرة وفي حقيقة البيئة التي كانوا فيها.
فنورد هنا سبب بروزهم مع أن بعضهم ليس له أصلاً أي كتاب إنما هي آراؤه دونت له فخلدها التاريخ.
وها هي تلك التي أورد بعضها:/
أولاً: أبو الحسن المازني : هذا عالم كبير وعالم جليل له معروف على نشر اللغة وتجديد مسارها، هو عالم كانوا يرجعون إليه في اللغة والنحو.
وهذا الإمام هو كالنضر بن شميل أحد الحفاظ الذين جمعوا بين الحفظ والفهم.
قالوا عنه : ثقة ثبت،
وكان ملازماً للخليل بن أحمد الفراهيدي.
كان فقيراً صابراً يأكل من كسب يده.
نقلت آثاره وعلومه في علم الحديث وعلوم العربية.
ثانياً: «شيخ الحرم» يعرف بهذا لأمانته وعدله وتقريبه الضعفاء وكان يسعى بحاجات المظلومين، ويكنى بأبي خالد المخزومي.
اشتهر عند عامة المحدثين ( بالزنجي ) من: الزنج.
وكان من الطبقة العليا من التابعين ويكفي عنه أنه روى وحدث عن مثل ابن أبي مليكة ومحمد بن شهاب الزهري.
وكان مفتياً ورعاً عفيفاً.
وهو الذي أجاز للإمام الشافعي أن يفتي وهو ثقة ثبت حجة.
نشأ فقيراً لا يكاد يُعرف لكن الله تعالى منّ عليه بذيوع الصيت.
واسم «الزنجي» مسلم بن خالد المخزومي، وليس لقبه بهذا أو وصفه بهذه الصفة أنه «أسود اللون» بل كان شديد الحمرة مع بياض.
ثالثاً: أبو النضر
إذا أطلقت هذه الكنية « أبو النضر » فإنها تنصرف إلى الإمام المجدد: سعيد بن أبي عروبة إمام حافظ.
نشأ (ضعيفاً) ملازماً للانطواء الإيجابي لم يسلم من الحسد لكن الله تعالى ؟؟؟حماهن؟؟؟ لازم الحسن البصري ومحمد بن سيرين والإمام مطر الوراق، كان الناس يرحلون إليه, من مدن وبلدان شتى، ليس هناك كتاب في الحديث أو الرواية إلا ويكون اسمه فيه إلا ما ندر.
رابعاً: الإمام ربيعة الرأي: لا يكاد يُعرف هذا الإمام إلا بهذا «ربيعة الرأي» يقول عنه الغمام أبو عبد الله محمد الذهبي في كتابه (تذكرة الحفاظ) م/1ص157/158 ما نصه : [ربيعة الرأي الإمام عثمان التيمي المدني الفقيه مولى آل المنكدر روى عن أنس بن مالك والسائب بين يزيد وحنظلة بن قيس وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد، وعن سفيان ومالك والأوزاعي وسليمان بن أبي بلال وإسماعيل بن جعفر وأبو ضمرة أنس ابن عياض وخلق، وكان إماماً حافظاً فقيهاً مجتهداً بصيراً بالرأي ولذلك يقال له: «ربيعة الرأي» أخباره مستوفاة في :تاريخ دمشق» و«تاريخ بغداد».
خامساً: الكتاني، عالم دمشق والشام،
اعتبره نقاد ؟؟؟الىثار؟؟؟ من ذوي الموهبة السامقة.
كان حيياً كريماً يكره الجاه ولم يذكر عنه أنه اغتاب أحداً أو وقف في طريق أحد حسداً خاصة الأقرباء وأبناء العمومة، ونجد «الكتاني» الذي ولد سنة 389هـ عند ترجمة الخطيب البغداد له في كتاب « فوائد النسيب» أن من العلماء الأجلاء ثقة أمين.
كانت تربية صالحة جيدة أخذ العلم علم اللغة والنحو والحديث - خاصة - في زمن مبكر من عمره في الشام.
جمع بين الحفظ والفهم، وكان محيطاً بسياسة الحياة وفقه الواقع، ولا يكاد يعرف هذه الغمام إلا « بالكناني» واسمه: عبدالعزيز بن أحمد بن محمد بن علي ، ويكنى بأبي محمد، ويكفيه فخراً على صغر سنه أن من أخذ عنه العلم مثل:
1- عبدالله بن الزبير: المعروف ( بالحميدي ) من ثقاة العلماء الكبار.
2- الخطيب البغدادي: صاحب التراجم والتاريخ، إمام معروف.
3- القاضي المشهور: يحيى بن علي القرشي من ثقاة القضاة ومن ذوي التاريخ الحميد والسمعة الحسنة.
سادساً: الخطابي، هذا - دون ريب –-ذو باع كبير في تأسيس اللغة والبلاغة وعلم التوحيد.
نقل آراءه كثير من المحققين وكبار علماء البحث في أصول الأسانيد والجروح والتعديل كان ثقة مأموناً ورعاً.
كانت ولادته سنة 317هـ.
واسمه: حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب، وشهرته غطت على كنيته « أبي سليمان» وقد تناقل ترجمته كثيرون من أصحاب هؤلاء الكتب:
1 - معجم البلدان.
2 - طبقات الحفاظ
3 - النجوم الزاهرة
4 - البداية والنهاية
5 - معجم الأدباء
6 - وفيات الأعيان
7 - مرآة الجنان
8 - المنتظم
ولست أظن أحداً من العلماء اليوم أو ذوي التخصص في أصول اللغة والنحو وقواعد الأحكام إلا وهو بحاجة إلى قراءة ترجمته فكيف بآثاره؟
ولعل من أكثر ما وقع فيه الخطأ وهو خطأ كبير هو ما جاء في هذه الكتب من حيث روايات لم تصح أصلاً وروايات نسب على غير قائلها مثل كتاب:
1 - الأغاني.
2 - البيان والتبيين.
3 - مروج الذهب.
4 - نهج البلاغة.
5 - أخبار الحمقى والمغفلين.
6 - إخوان الصفا.