د. عبدالواحد الحميد
حمى التسابق على حيازة الشهادات العليا دون جهد هي ظاهرة عالمية، وآخر المتهمين هو رئيس وزراء الهند ناريندا مودي الذي يتهمه سياسيٌ من أحد الأحزاب المعارِضة بأنه شهاداته الجامعية مزورة! لكن الحزب الذي ينتمي له رئيس الوزراء أظهر إلى العلن ما قال إنها شهادة بكالوريوس وشهادة ماجستير حقيقيتين غير مزورتين، فما كان من السياسي المعارض إلا أن شكك مرة أخرى بهذه الشهادات قائلاً إنها تخص شخصاً آخر وأن الأسماء والتواريخ غير متوافقة!
وبعيداً عن الجدل الذي قد تكون دوافعه سياسية في هذه القضية بالذات والتي قد تنتهي إلى تأكيد حصول رئيس الوزراء الهندي على شهادات جامعية أو تأكيد واقعة التزوير، فإن ولع بعض الأشخاص بهذه الشهادات وادعاء الحصول عليها دون أن يكونوا قد حصلوا عليها بالفعل هو أمر غريب عندما يكون الشخص على قدر عال من الثقافة والنجاح في الحياة وفي العمل ولا يحتاج إليها إلا كلقب يظن أنه يزيد من قدره لدى الناس في حين أنه في واقع الأمر يحط من قدره ولا يعليه!
وقد وقفت أمام عبارة مليئة بالحكمة لمتحدث الحزب المعارض، بصرف النظر عن مصداقية الاتهام، قال فيها:»يسعدنا أن يكون لدينا رئيس وزراء غير متعلم لكن لا يسعدنا أن يكذب بشأن درجاته العلمية»!
نعم، هناك أشخاص لم يحصلوا على شهادات جامعية لكن ثقافتهم تفوق ثقافة بعض حملة أعلى الشهادات. والمثل الذي يستذكره الجميع هو الأستاذ عباس محمود العقاد الذي لم تكن لديه شهادات لكنه بَزَّ أبرز مثقفي عصره ممن يحملون أعلى الشهادات من جامعات مصر وفرنسا والعالم!
إن الطموح للحصول على شهادة جامعية أو شهادة عليا هو أمر جيد، ولكن تظل الشهادة العلمية مؤشر تقريبي وغير دقيق أحياناً للدلالة على تخصص الإنسان والمستوى الذي وصل إليه في مجال محدد من العلم. فالمهم هو امتلاك الثقافة والمعرفة وليس حمل شهادة وهمية مزورة بهدف الوجاهة يفاخر بها حاملها إلى أن يفتضح أمره وتتبين الحقيقة.
وقد بلغت الجرأة ببعض المزورين ادعاء حصولهم على شهادات في الطب والهندسة وغيرهما من العلوم ذات الصبغة الاختصاصية الدقيقة والدخول من خلالها إلى سوق العمل مما أوقع أضراراً كبيرة بالآخرين وبالمجتمع، وهذه الفئة أسوأ بكثير من تلك التي تشتري الشهادات الوهمية بحثاً عن الوجاهة ولا تستخدم شهاداتها الوهمية لانتحال مهنة فتؤذي الناس، مع أن هذه الممارسة غير الأمينة سيئة في الحالتين.
قد لا يكون رئيس وزراء الهند من جماعة «هلكوني» التي يرفع لواءها صديقنا الدكتور موافق الرويلي، لكن الشيء بالشيء يُذكر!