هاني سالم مسهور
فيما يردد الحوثيون وأتباعهم شعارات الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل، واللعنة على اليهود، أبرمت جماعة الحوثي مع إسرائيل صفقة حملت عنوان «المعبر المعقد» لترحيل من تبقى من اليهود الموجودين في اليمن وتحديداً في محافظة عمران إلى إسرئيل بوساطة دولية يقال إنها أمريكية.
هذه الحادثة هي واحدة من الحوادث الدراماتيكية في المشهد اليمني الذي يشهد تعقيدات لا يمكن فكّها إلا عبر مختصين غارقين في أدق تفاصيل اليمن السياسي والاجتماعي، وقد تكون هذه الحادثة هي فصل من أهم فصول عمليات واسعة هدفت لتهجير يهود اليمن منذ العام 1949م لكن هذه العملية دون غيرها تحمل دلالات أخرى سنحاول قراءتها وما تمثله من أهمية تتجاوز مجرد هجرة العشرات إلى إسرائيل.
في يونيو 1967م وعلى أثر النكسة العربية وفي نطاق ارتداداتها نجحت إسرائيل عبر شبكة استخباراتية واسعة في انتهاز للوضع العربي السياسي آنذاك في تهريب مخطوطة من التوارة تعود إلى ما يقارب القرن من كتابتها، وهي واحدة من أهم المخطوطات للتوارة في العالم، وكانت موجودة في العاصمة الجنوبية عدن قبيل الاستقلال عن بريطانيا حيث كان للمعابد اليهودية وجودها إلى جانب الكنائس بحكم أن مدينة عدن كانت واحدة من عواصم الشرق الأوسط الأكثر انفتاحاً وارتباطاً بالعالم ثقافياً وتجارياً .
كان لافتاً أن يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو في تل أبيب القادمين من اليمن لأنهم يحملون هذه المخطوطة نظراً لما تحمله من أهمية عند اليهود، وعلاقة إسرائيل بيهود اليمن ليست جديدة بل هي موغولة جداً بدات منذ عهد الإمام أحمد ـ حاكم اليمن قبل 1962م ـ وكانت واحدة من أكبر الهجرات اليهودية بدافع الاستحواذ على الممتلكات التي خلفها اليهود ورائهم في اليمن خاصة في شمال اليمن حيث يتواجدون عبر قرون طويلة من الزمن.
من الشخصيات اليمنية اليهودية شالوم الشبزي، وهو شخصية فكرية معروفة كثيراً عند اليهود، بل يمكن اعتباره أشهر يهود اليمن على الإطلاق، فلقد كتب خمسة عشر مؤلفاً باللغة العبرية، ومات في مدينة تعز، وحاولت إسرائيل نقل رفاته لولا أن يهود اليمن ومسلميها رفضوا الأمر برغم الوساطة الأمريكية، فلم تجد إسرائيل إلا أن تطلق اسمه على أحد أهم شوارع تل أبيب في تأكيد على أهميته، وفي آواخر التسعينيات من القرن العشرين المنصرم تعاون الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح مع إسرائيل وعقد واحدة من صفقاته السرية مع إسرائيل وحدثت عملية مباغتة نقل فيها رفات شالوم الشبزي إلى جانب مخطوطات يهودية تاريخية من اليمن إلى إسرائيل.
بين أول عملية تهجير لليهود من اليمن المسماه (البساط السحري) 1949م وبين آخرها في 2016م والتي أطلق عليها (المعبر المعقد) مسافة 67 عام شهدت كثيرا من التداخلات في علاقة مشبوهة بين الرئيس المخلوع وإسرائيل من جهة، وبين السلالة الإمامية وإسرائيل من جهة أخرى، فإذا كان الإمام يحيى ومن بعده ابنه أحمد وجدوا أن في تهجير اليهود فرصة مواتية للاستحواذ على أملاكهم في صعدة، فإن علاقة المخلوع صالح مع إسرائيل كانت أكثر مصلحة مع الموساد الإسرائيلي الذي استفاد في تدريب بعض ضباط جهاز الأمن القومي.
استفادت الوكالة اليهودية من الأزمات العاصفة في اليمن والعراق وسوريا ووضعت خطة منذ مارس 2011م هدفت إلى ترحيل اليهود عبر مختلف الوسائل الممكنة في ظل اضطراب هذه الدول العربية، ففي صفقة ( المعبر المعقد ) دفعت الوكالة اليهودية أموالاً طائلة للمليشيات الحوثية من أجل إتمام الصفقة بما في ذلك تهريب المخطوطة التاريخية من التوراة.
وإذا كان من الصعوية أن تنجح الدول العربية في السيطرة على هذا الملف الشائك والذي التزمت به أمام الشعب الفلسطيني، يبقى أمامنا مسألتان مهمتان جداً، الأولى أن جريمة من الجرائم المتوالية ارتكبها الحوثيون عبر تهريب المخطوطة اليهودية التاريخية التي تعد حقاً أصيلاً لمدينة عدن لا يجوز التفريط فيه وعلى الحكومة اليمنية مقاضاة المتسببين في هذه الجريمة، كما أن القانون والاتفاقيات الدولية أعطت الحق للدولة المالكة أن تستعيد هذه المخطوطة التي لا تقدر بثمن في التاريخ الحضاري البشري .
أما ثاني المسائل في هذا الصدد أن الحوثيين وهم يمارسون ما يمارسه الإيرانيون من وعيد وتهديد للولايات الأمريكية، فكما تخلت إيران عن شعارها (الموت لأمريكا) في مقابل الاتفاق النووي يكرر الحوثيون ذات المسألة مقابل رشوة مالية مع إسرائيل، هكذا يتم استخدام الشعارات لتضليل الشعوب وإغراقها في أوهام العدو الأكبر، والشيطان الأكبر، بينما هو الصديق الأوحد، والرفيق الأعز، هكذا هي الفئات الضالة التي تستغل الخطابات والشعارات في المزايدات لتبيعها عند المزادات السياسية في مقابل رشوة مالية لا يمكن أن تساوي ثمناً لقيمة حضارية موغلة في التاريخ.