سلمان بن محمد العُمري
أحسن الباحث والأديب صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة القصيم صنعاً بإخراجه قبل خمسة أعوام الكتاب الموسوم بـ»من رسائل الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- الدعوية»، ومنذ إصدار هذا الكتاب العلمي التاريخي المهم وأنا أترقب أن تقوم عليه بحوث ودراسات خاصة بمضامينه وتحليلها. وهذا الكتاب عبارة عن رسائل علمية جمعها الباحث ووثقها وأخرجها إلى النور وهو جهد علمي ووفاء للرحم وللعلم ووفاء للدين والوطن وليس بغريب على سموه فله إنتاج علمي وهو كتاب يضاف إلى رصيده من سلسلة كتب قدّمها للمكتبة السعودية والمكتبة العربية والإسلامية بوجهٍ عام. إلا أن ما يميز هذا الكتاب عن غيره أنه رسائل علمية دعوية وجهها الملك سعود -رحمه الله- إبان ولايته للعهد، وكذلك في الوقت الذي تولى فيه الحكم في هذه البلاد المباركة. وكانت رسائل شاملة منها ما هو موجه لبلدان وأقطار معيّنة ومنها ما هو موجّه لجماعة من أهل العلم أو الفضل ومنها ما هو رسائل توجيهية عامة ومفتوحة. وكانت المضامين والأهداف تختلف بحسب من وجه إليه الكتاب أو الرسالة، ومع ما فيها من الفوائد العلمية والنصائح التوجيهية في العقيدة والتمسّك بها والعبادات والالتزام والمحافظة عليها والتحذير من التهاون والتفريط فيها. أو التذكير بواجب الأمة نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها أيضاً تقدّم صورة مثالية عن شخصية الملك سعود بن عبدالعزيز الإسلامية الناصعة التي هي امتداد لسيرة والده وأجداده وسيرة إخوانه الذين ساروا على نهج آبائهم والالتزام بتعاليم الإسلام، والتمسك بنصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية. وكما أشار سموه في ختام الكتاب بأن هذه الرسائل الشخصية تكتسب أهمية خاصة فهي تلقي الضوء على ملامح هامة، وتكشف جوانب عديدة من شخصيته -رحمه الله-.
وقد تضمّنت إشارات عديدة حول جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين ومنهجه وأساليبه في الدعوة والاحتساب، وطبيعة العوائق التي تعرض لها وكيف تجاوزها، وكشفت عن الجانب الآخر من شخصية الملك سعود وأنه لم يكن ملكاً صالحاً فحسب بل كان إلى جانب ذلك داعيةً حكيماً يدرك طبائع النفوس ويتقن فن التعامل معها ويستخدم لكل حال ما يناسبها من الأساليب والوسائل المؤثرة، وقد حثّ في رسائله على تحقيق الوحدة الإيمانية التي هي أساس الوحدة السياسية والاجتماعية والجغرافية. فالمسلمون أخوة لا فرق بين غنيّهم وفقيرهم وأبيضهم وأسودهم إلا بالتقوى فرباط الإسلام وأخوته أقوى من أي رباط، وتجلية بعض المفاهيم الإسلامية، ومحاربة الانحراف في الدين عمّا أراد الله به من إصلاح النفوس وتصحيح العقيدة، وتقويم السلوك وتحقيق مقاصد الشريعة في الخلق، وتأكيده قبل ذلك على الاهتمام بالكتاب والسنة فهماً وتطبيقاً وحكماً والدعوة إلى صفاء العقيدة ونقاء التوحيد ونبذ الشرك والابتداع بأنواعه.
وبكل تأكيد ومما لا يخفى على الجميع أن منهج الملك سعود هو منهج السلف الصالح المبني على الوسطية بين الناس الغالين والجافين. فالقارئ لرسائل الملك سعود يعيش في دوحة علم بين قال الله -جل وعلا- وقال رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهي تعرض سماحة الإسلام وما يشيع الاجتماع والمحبة والمودة والتعاون على البر والتقوى والتعاضد والتناصح.
وأعود لما بدأت به مقالتي عن انتظار الدراسات الأكاديمية والبحثية الدعوية عن هذا الكتاب وهو ما طالب به سموّه في الختام فقد أوصى الباحثين في الدراسات الدعوية بالإفادة من هذه الرسائل وغيرها دراسة تحليلية ليستفيد منها الجميع.
وإذا كان الحديث عن هذه الرسائل الدعوية فيها من الدعوة أيضاً والحاجة قائمة لإعداد دراسات أخرى في جهوده -رحمه الله- في خدمة الإسلام والمسلمين في داخل المملكة وخارجها فهو المؤسس للعديد من المشاريع العملاقة التي يتفيّأ العالم ظلالها حتى الآن كالجامعة الإسلامية، ورابطة العالم الإسلامي. والعديد من الكليات والمعاهد العلمية مما يتطلّب إعداد البحوث والدراسات الشاملة في هذين الجانبين.
فشكراً لسمو الأمير فيصل بن مشعل على هذا الإصدار العلمي الرصين، ورحم الله الملك سعود وآباءه وإخوانه ممن خدموا هذا الدين، وكانوا رجال دعوة قبل أن يكونوا رجال حكم وبلغوا دين الله علماً وعملاً، عقيدةً وفعلاً.