د. فهد بن علي العليان
في الحقيقة ليست حياتي، بل هي حياة أحمد أمين، أكتب هنا عن أفكار أعجبتني التقطتها من بين أفكار تتجاور في الجمال وتتحد في الحسن، والعجيب أن كثيراً منها ينطبق على يومنا الحاضر في المجالين الثقافي والتعليمي، وهذا يسوقني وغيري إلى السؤال والتساؤل: هل مازلنا في مربعنا الأول في عالمنا العربي؟ الكوريون في السبعينات الميلادية يوقعون مذكرة تفاهم مع مصر العربية للإفادة والاستفادة من نظامهم التعليمي، والآن أين هذه من تلك؟ أعود إلى (حياتي) بل حياة الأديب أحمد أمين، أنقل للقارئ الكريم مقتطفات يسيرة جداً وأترك للقارئ الكريم أن يتذوقها بطريقته فإن شاء أقبل عليها وبحث عنها، وإن شاء وقف وتوقف، لكنني محتار فيما أختار. وقبل الاختيار، هنا تعريف به من خلال الطبعة التي بين يدي:
« يعد أحمد أمين واحداً من رواد الحركة الفكرية والثقافية والاجتماعية في مصر في النصف الأول من القرن العشرين. ولد أحمد أمين إبراهيم في أول أكتوبر سنة 1886 في حي (المنشية) بالقاهرة، وتوفي في الثالث من مايو سنة 1954 عن ثمانية وستون عاماً، وقد تدرج في تعليمه من (الكتاب) إلى (الأزهر) ثم مدرسة القضاء الشرعي، وحاز منها شهادة القضاء سنة 1911، وبسبب نبوغه اختاره عميد مدرسة القضاء الشرعي (عاطف بركات) مدرساً بها، وانتقل منها إلى العمل قاضياً في (قويسنا) و (طوخ) ثم في محكمة الأزبكية الشرعية بالقاهرة. وفي سنة 1926 اقترح عليه الدكتور طه حسين أن يعمل مدرساً بكلية الآداب في جامعة القاهرة (جامعة فؤاد الأول آنذاك) فوافق على هذا الاقتراح، وانتقل إلى العمل بكلية الآداب. وقد تدرج أحمد أمين في مناصبه الجامعية حتى أصبح عميداً لكلية الآداب سنة 1939، ثم عمل مديراً عاما للثقافة بوزارة المعارف، كذلك تولى إدارة الثقافة بالجامعة العربية شنة 1947، وفي سنة 1948 نال شهادة الدكتوراه الفخرية من كلية الآداب، وظل يمارس نشاطه العلمي والعملي في ميدان الثقافة حتى وفاته سنة 1954».
وفي الافتتاحية يقول د. محمود الربيعي: «من الكتب التي تركت في نفسي أعظم الأثر: كتاب (حياتي) لأحمد أمين. وترجع أهمية هذا الكتاب إلى أنه واحد من الكتب القليلة التي تصور حياة أصحابها في بساطة وحيدة شديدتين، وفي تواضع جم، من شأنه أن يجعل من هذه الحياة نموذجاً يحتذى. وعندي أن مجموعة من الحقائق الواردة فيه ينبغي أن تكون دائماً نصب أعين الشباب الذي سيكون مسئولاً عن مقاليد هذه الأمة بعد سنوات معدودة».
ويقول أحمد أمين عن نفسه وعن سيرته في كلام نفيس: «ما أنا الا نتيجة حتمية لكل مامر علي وعلى آبائي من أحداث، فالمادة لاتنعدم، وكذلك المعاني والعواطف والمشاعر.. والأفكار والأخيلة تبقى أبداً، وتعمل عملها أبداً .. فكل مايلقاه الإنسان من يوم ولادته، بل من يوم أن كان علقة، بل من يوم أن كان في دم آبائه.. وكل مايلقاه أثناء حياته، يستقر في قرارة نفسه، ويسكن في أعماق حسه سواء ماوعى ومالم يع، وماذكر ومانسي، ومالذ وما آلم.. كل ذلك يتراكم ويتجمع..يختلط ويتفاعل، ثم يكون هذا المزيج أساساً لكل ما يصدر عن الإنسان من أعمال نبيلة وخسيسة!.. أنا لم أصنع نفسي ولكن صنعها الله عن طريق ما سنه من قوانين الوراثة والبيئة!.. أنا أروي من الأحداث ما تأثرت به نفسي، وأحكيها كما رأت عيني، وأترجمها بمقدار ما انفعل بها شعوري وفكري».