سعيد الدحية الزهراني
القضية أبعد من حراسة فضيلة أو محاربة خطر حقيقي يستهدف قيم المجتمع كما يقال.. نحن أمام فكر وصائي غايته أن يقود وحيداً وفق ما يضمن تفرده بالتوجيه والقرار لكي يستمر سلطة متسلطة..
هذا كل ما في الأمر.. وإلا كيف يقبل عاقل يا سادة أن نخسر؛ ثقافياً واقتصادياً واتصالياً وترفيهياً وحضارياً وفي مختلف حقول البشر والآلة.. (أداة السينما) بوصفها ارتكازاً رئيساً من شأنه أن يعيد صياغة الواقع رأساً على عقب.. دون أن يمس ثوابت ديننا الإسلامي السمح القويم أو قيمنا الثقافية المجتمعية.. وهما الكتفان اللذان يعلق الأوصياء قميص التحريض عليهما!!
العالم اليوم يجهلنا كثيراً.. ويسيء لنا بهذا الجهل كثيراً.. بل استعمرنا بجهلنا كثيراً.. عبر منتج الفن السابع الذي يصلنا مكبسلاً في وسائط الاتصال الإلكتروني.. إن لم نشد الرحال لنلتقيه ونتلقاه في دول الجوار.. ومع هذا لم يسقط الدين من أرواح أجيالنا مثلما لم تتهاو منظومة القيم لديهم.. وهو ذات الأمر الذي لم يحدثه تعليم البنات ولا البث الفضائي ولا كاميرات الجوالات.. بل هو ذات الأمر الذي لن يحدث بقيادة المرأة للسيارة ولا السينما.. ولسبب بسيط: ثوابتنا أجلّ من هشاشة ما صورها أصحاب القميص..
تأمل يا رعاك الله.. ماذا لو بدأنا المشوار وكسرنا وهم ما يتخيلون - أقصد أوصياء الفضيلة المزعومة - وبدأنا تأسيس متطلبات صناعة السينما من حيث أنجز الآخرون.. كم سنحقق من مكتسبات ثقافية تعزز هويتنا وموروثنا وفنوننا.. فضلاً عن تقديم صورتنا للآخر الذي لا يرانا سوى ثكنات للقتل والإرهاب.. ناهيك عن عوائد هذه الصناعة اقتصادياً ووظيفياً واجتماعيناً.. حين يسهم هذا الفن السينمائي المحبب إلى النفوس.. في أنسنة الأجيال ورفع مستويات الحس الجمالي لديها وتنشئتها بصورة طبيعية تؤمن بالمعنى وبالفن..
رفض السينما في بلادي ليس إلا قميص عثمان.. يتبنى الرفض دعاة التحريض والوصاية والتسلط.. وحين تحاول أن تستوعب أسباب الرفض لا تجد إلا الكلام العام الذي لا يفضي إلى محور يستحق النقاش..
أجيال اليوم والغد تفتقت لها حجب السماء واستجلبت ما أعده الآخر وأحبته وتأثرت به وشكل سياقاتها الثقافية والروحية والجمالية وبالتالي كوّن لها معاييرها التي يريدها .. في الحين الذي ما نزال نردد أوهامنا التي اختلقناها من حيث لا أصل لوجودها أصلاً..
السينما ثراء.. ونحن فقراء!