إبراهيم عبدالله العمار

برامج المحادثة اليوم مليئة بالمقاطع المرئية، والأرجح أنك رأيت أحدها في هاتفك المتنقّل اليوم وربما قبل قليل، لكن هل فكرتَ في أصول المقاطع ونشأتها؟ ما هو أقدم مقطع مرئي في العالم؟ ما سبب اختراع الكاميرا أصلاً؟

أريدك أن تتوقّع أقدم مقطع مرئي رأيته. هل هو شيء يعود إلى 30 سنة؟ في الأفلام الوثائقية رأيتَ مقاطع من الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من 70 سنة. هل رأيتَ مقطعاً أقدم من هذا؟ هناك ما هو أقدم.. هناك مقاطع من الحرب العالمية الأولى، أي قبل أكثر من 99 سنة، والتي كانت تُسمى «الحرب العظيمة» قبل الحرب الثانية ظانين أنه لن يكون هناك ما هو أعظم منها. شيء مفاجئ! هل يعقل أن هناك مقاطع قديمة لهذه الدرجة؟

نعم، وأكثر. إن أقدم مقطع مرئي عمره (وقت كتابة هذه السطور) 128 سنة! إنه مقطع طوله ثانيتين فقط، صَوّره المخترع الفرنسي لويس لوبرينس المقيم في بريطانيا عام 1888م أو 1306هـ. المقطع موجود على الإنترنت باسم Roundhay Garden Scene، صوّره لويس في حديقة منزل، والمنزل يملكه أهل زوجة أدولف، وهو ابن لويس. المقطع يُظهر أدولف وزوجته ووالداها وهم يمشون ويتحركون للكاميرا، وكم هو مشوّق رؤية أناس عاشوا قبل قرابة 130 سنة ورؤية ملابسهم وحركتهم ومعرفتهم أنهم يُصوّرون!

لكن إليك هذه المعلومة: الشائع بين الناس أن إديسون هو الذي أتى بكاميرا تصوير المقاطع المرئية. كيف؟ ولماذا؟ ماذا عن لويس؟ إنها قصة غريبة: قبل ذاك المقطع كان لويس يجرب اختراعه حتى حصل على براءة عام 1886م ثم أخيراً اختراع كامل بعدها بسنتين، وصوّر المقطع المذكور، وقرَّر أن يذهب لنيويورك ليعرض اختراعه، فالمنافسة اشتدت وسمع لويس أن هناك أكثر من مخترع على وشك أن يأتوا بكاميرات أخرى، ولو استعجل بالإعلان فسيُحرز قصب السبق وتأتيه الشهرة والثراء، فاختراعه هو الوحيد الكامل وقد صَوّر به أول مقطع معروف، وقبل أن يذهب قرّر أن يرجع لوطنه فرنسا لينجز بعض الأمور المستعجلة، وهكذا في سبتمبر 1890م ركب القطار من مدينة ليدز البريطانية ولوّح مودعاً لأخيه وغادر إلى باريس... وكان هذا آخر العهد به. اختفى لويس بعدها ولم يُعثر له على أثر! ولو عاش لخلّد التاريخ اسمه كمخترع الكاميرا. ماذا حصل له يا ترى؟ لا أحد يعلم ما حصل له. في عام 2003م اكتُشِفَت في باريس صورة تعود إلى عام 1890م تُظهر رجلاً غارقاً ملامحه تشبه لويس. ولحقت عائلته مصيبة أخرى، فبعدها بقليل قُتِل ابن لويس بطلقة نارية في أمريكا!

شاهد ذاك المقطع، واعلم أنك ترى شيئاً حصل قبل 128 سنة، وتَعَجَّب.