جاسر عبدالعزيز الجاسر
ما يحصل في العراق يظهر الكثير من المتناقضات والعديد من النفاق السياسي، والتجاوز الأخلاقي.
أول هذه التناقضات تخلّي الولايات المتحدة الأمريكية عن مسؤولياتها الأخلاقية والأدبية والسياسية، فالذي يعرفه الجميع ولا يمكن للأمريكيين أن يتنصلوا منه أن سبب البلاء الذي يعيشه العراق كان الغزو الأمريكي ثم الاحتلال الذي سلّم العراق على بحر من الدماء لملالي إيران وسمح لهم بإرسال مليشيات الشر الطائفية التي غزت العراق وبدأت ومنذ عام 2003 بالإبادة المتدرّجة للعرب السنة.
انسحبت القوات الأمريكية من العراق بعد أن مهّدت الأرض وسلّمت السلطة والمدن إلى عملاء ملالي إيران وظلت تدعم وتساند كبير العملاء نوري المالكي حتى وجد أركان (البيت الشيعي) الذي حول إلى ما يُسمى بـ(التحالف الوطني) أن المالكي سيعجل بالتخلّص من حكم عملاء الملالي فاستبدل بحيدر العبادي الذي (لا حول له ولا قوة) يتلاعب به قادة الأحزاب والمليشيات الشيعية وهو لا يستطيع أن يرد هجماتهم ويعرف أن مصيره يتحدّد في طهران التي أسلمت واشنطن الأمر لها وتركتها تعبث في العراق بعد أن اطمأنت أن محيط العراق العربي ليس لديه سوى المعارضة اللفظية، وتطالب الدول التي لا تزال تأمل في الحفاظ على الهوية العربية في الاجتماعات وجلسات التفاوض، فيرد عليهم الأمريكيون مطالبين بدعم حكومة العراق التابعة لملالي إيران بالأموال في مفارقة يريد منها الأمريكيون إشعار العرب بأنهم نفضوا أيديهم من العراق وأن دعمهم ومشاركة خبرائهم في معارك الفلوجة والموصل إنما لها أهداف أخرى مرتبطة بإكمال سيناريو مكافحة الإرهاب الذي له وجه واحد هو التصدي للأصولية عند أهل السنة الذين حاربوهم في العراق وواجهوهم في أفغانستان، أما أصولية المكون الآخر - ونعني به الشيعة- فهم حلفاء وإن أطلقوا عليهم (الشيطان الأكبر) فقد اكتشف الرئيس أوباما أن برغماتية الإيرانيين تجعلهم قادرين على التعامل مع الشيطان الكبير كما يصفون الأمريكيين، والشياطين الصغار في أوروبا الغربية وغيرها.
ولذلك فإنهم كانوا لهم معينان عند غزو العراق واحتلال أفغانستان، وهم بهذا يردون الجميل لهم فيتركونهم يعبثون بالعراق وأفغانستان وحتى دول الخليج العربية وباكستان لا يهمهم ما يفعله ملالي إيران في سوريا ولا في لبنان ولا في العراق.
أمريكا تنشر قوائم تمنع عتاة الإرهاب من التحرّك بحرية السفر إلى الدول الأخرى وعلى هذه القوائم يظهر جنرال الإرهاب قاسم سليماني الذي لا يمنعه ذلك من التوجه إلى موسكو، حيث يراجع سيناريوهات الإرهاب والمعارك التي سيقودها في سوريا والعراق.
قاسم سليماني الآن يقود مليشيات الحشد الشيعي الإرهابي لقتل أهالي الفلوجة من العرب السنة في معركة يوجد فيها المستشارون الأمريكيون وقادة الجيش العراقي، ومع أن المعلن هو تخليص أهل الفلوجة من إرهاب داعش، تظهر أولى نتائج مشاركة مليشيات الحشد الشيعي في تدمير مسجدين في مدينة الكرمة المجاورة للفلوجة وحرقهم لدائرة الجنسية والأحوال المدنية لمحو سجلات أهل المدينة في عملية إرهابية لترحيل سكان الكرمة من العرب السنة وإحلال ما يستقدمونه من أهل الجنوب والإيرانيين لإحداث التغيير الديمغرافي الذي ينفذه عملاء ملالي إيران.
كل هذا يتم بعلم وتواطؤ الأمريكيين فهل يدخل كل هذا في سيناريوهات مواجهة الإرهاب الذي يحصره الأمريكيون في المكون السني فقط.