سامى اليوسف
التعصب هو عدم قبول الحق عند ظهور الدليل بسبب الميل والهوى. ينتشر كالورم الخبيث في كل المجالات: السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية والرياضية.
واعتبره أبو الأمراض في كل المجتمعات لأنه يقود للعنصرية والتشدّد، ويورث في القلوب الحقد والكراهية.
أسبابه في الرياضة عديدة، ومن أبرزها: غياب العدالة والمساواة عند تطبيق القانون، أو النظام، كالكيل بمكيالين أو ازدواجية المعايير في التعامل مع المواقف والحالات المتشابهة مما يزرع في النفوس الكراهية والبغض للآخر، ويعزِّز الاحتقان.
حذَّرت في مقالات عدة من تباين تعامل لجان اتحاد كرة القدم، ومسؤولي الرياضة مع الأحداث على ساحة كرة القدم المحلية، وخطر انعكاسات هذا التباين على الجماهير، والمجتمع الرياضي، فالغلظة تحضر في مناسبة، وتغيب في أخرى تتشابه معها تحضر فيها «الطبطبة»، أو اللين، والتخفيف على الرغم من تشابه التفاصيل واختلاف الألوان، واللاعبين.
لعل حادثة «اعتداء فريدي النصر على عسيري الأهلي» في حضرة خادم الحرمين الشريفين وولاة الأمر - حفظهم الله- آخر الأمثلة على هذا التباين في التعامل، فقد ذهبت لجنة الانضباط الى العقوبة المخففة بعد أن حصر ت الحادثة في السلوك المشين فقط، بينما واقع اللعبة الذي شاهده الملايين في الملعب وخلف شاشات التلفزة يؤكّد وقوع 3 مخالفات: اللعب العنيف، السلوك المشين والمشاجرة التي اشترك بها مجموعة من اللاعبين من بينهم الفريدي والعسيري.
نجا العسيري من العقوبة، وخُففت عقوبة الفريدي في مباراتين بسبب حصر مخالفته فقط في السلوك المشين، بينما لائحة الانضباط واضحة في التعاطي مع هذه الحالة، وهي تشير إلى عقوبة 6 مباريات للمشاجرة (اللاعبان)، ومباراتين للفريدي نتيجة السلوك المشين، بخلاف أن اللجنة كان يجوز لها أن تتبنى مضاعفة العقوبة لتعدد العقوبات من جهة، ولأهمية وخصوصية المناسبة بحكم رعاية القيادة الحكيمة ممثلة بالوالد القائد، فهي ليست كمثلها من المباريات.
تناقض
اللافت أن رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم أعلن عبر تصريح في يوم إعلان العقوبة، وزعته لجنة الإعلام بالاتحاد، موقفه من تصرف اللاعب الفريدي، وسوف أذكر أبرز ما جاء فيه من عبارات:
* يؤكد سعادة الأستاذ أحمد بن عيد الحربي رئيس الاتحاد العربي السعودي لكرة القدم على أهمية احترام المناسبات الرياضية كافة.
* يثمّن سعادته الرعاية الكريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- للمباراة النهائية
* نهائي مسابقة كأس خادم الحرمين الشريفين لكرة القدم مناسبة رياضية كبيرة تشرّفنا جميعاً كرياضيين.
* هذه المناسبة الكبيرة يجب أن تحترم وأن يقدّم الجميع الدلائل الواضحة عن الاحترام والفروسية وعن الروح الرياضية.
* ما حدث من لاعب نادي النصر أحمد الفريدي نرفضه بشدة.
* يتوجب على جميع اللاعبين احترام المنافسة والمناسبة والحضور واحترام روح ومبادئ رياضة كرة القدم.
* نشدد على أننا نقف مع الأخلاق والاحترام ولا نقبل بأي تجاوزات مهما كانت.
هنا أترك المجال لك عزيزي القارئ الفطن لأن تحكم على حقيقة التصريحات والكلمات الرنّانة التي أطلقها سعادة الرئيس بخصوص هذه القضية، وهل تطابقت شعاراته التي رفعها مع واقع قرار لجنة الانضباط الذي صدر (إايقاف مباراتين للاعب، وغرامة مقدارها 10 آلاف ريال فقط)، هل تُرجمت هذه الشعارات على أرض الواقع؟! أم أنه كان كلاماً للاستهلاك الإعلامي؟!
الواقع يقول: بمقارنة ما سبق أعلاه من كلام الأستاذ عيد، وقرار لجنة الانضباط يحق للمتلقي أن يردد «عندما تتناقض كلماتك مع أفعالك، فإن مستمعك سوف يصدق أفعالك!»
فالانضباط تثبت بقرارها المتضمن العقوبة المخففة أنها لا تقيم لتصريحات، وكلمات رئيس الاتحاد وزناً. ويفهم المتلقي أنها كممثل للاتحاد، لا تقيم للمناسبة الرياضية الكبيرة، والرعاية الكريمة أية اعتبار أيضاً، وهذا أدهى وأمر.
الكيل بمكيالين
فهل يُعقل أن يركل لاعب بقدمه رأس زميل له عامدًا متعمداً بكل امتهان لإنسانيته وكرامته، ويدخل في مشاجرة، وفي حضرة المليك ويقابل بمثل هذه العقوبة؟!
وفي مشهد ازدواجية المعايير، أو الكيل بمكيالين نستعرض حالتين:
نسجل هنا امتعاض جماهير الهلال والرائد من تباين «انضباط» الاتحاد السعودي في قراراتها، فاللاعبان ديقاو، وقبله سالم الدوسري تعرضا لعقوبتين مشددتين، أو مغلظتين في مناسبتين مختلفتين.. ونادي الرائد تغرض لغرامة مقدارها 100 ألف ريال بسبب علبة مياه فارغة ألقاها مشجع على لاعب نادي الباطن.. هنا (للاعبين والرائد) تشدّد، وتغليظ.. وهناك (للفريدي) تخفيف، ومرونة!
وفي الثانية، نسجّل موقف المشجعين، والإعلاميين (المشجعين) الذين انبروا يدافعون عن فعلة الفريدي، ويتعرّضون بالإساءة والشتم لعسيري، وكل إعلامي طالب بإيقاف لاعبهم.. سكت هؤلاء عن الدخول العنيف للفريدي على أقدام عمر السومة، بل واعتبر غالبيتهم المنحاز أن هذا الدخول كان على الكرة «دفاع هنا، وتبرير هناك» في تغييب لمنطق العقل، والموضوعية.
وقبلها عندما كان الفريدي يرتدي قميص الهلال وتعرّض لدخول عنيف جدًا من ريان بلال نتج عنه إصابته بكسر مضاعف تم التبرير للأخير إلى حد الدفاع عنه!
الكيل بمكيالين إحدى علامات التعصب المقيت، ومن أسبابه أيضاً.
ختاماً، ننتظر تدخل حاسم للهيئة الرياضية في مثل هذه المسألة المهمة، ولاسيما أن رئيسها سبق له التدخل في إيقاع عقوبتين على رئيسيّ الشعلة والهلال على الرغم من صدور عقوبة «انضباطية» على أحدهما.
أخيرًا
اللهم بلّغنا رمضان، ووفّقنا لصيامه وقيامه، وبارك لنا فيه، واجعلنا فيه من المقبولين، ومن عتقائك من النار.. رمضان كريم