د. أحمد الفراج
ذات زمن بعيد، قال أحد مطربي الجاز الأمريكيين السود: «إن المواطنين البيض يعشقون صوتي وعزفي، ويدعونني لإحياء حفلاتهم، ولكن بعد انتهاء الحفل، يتوجب على ألا أجلس معهم لتناول الطعام، وأن أغادر مع الباب الخلفي»، والمطرب الشهير ارمسترونق يتحدث عن مرحلة مظلمة من التاريخ الأمريكي غير البعيد، المليء بحكايات العنف والاضطهاد والتفرقة ضد السود، وهي الفترة التي أعقبت تحرير السود من الرق، على يد الرئيس ابراهام لينكولن، في عام 1865، إِذ تم تحريرهم من الرق، ولكن صدرت قوانين صارمة للفصل العنصري، في الجنوب الأمريكي، وهي قوانين كانت أقل سوءًا من الرق، ولكنها كانت تعامل السود كمواطنين من الدرجة الثانية، إِذ تحرم عليهم استخدام أي مكان مخصص للبيض، سواءا في التعليم، أو في الأماكن العامة.
في تلك الحقبة المظلمة، بزغ نجم مواطن أمريكي أسود في رياضة العدو، اسمه جيسي أونز، ويعتبره المؤرخون أحد أعظم خمسة رياضيين خلال القرن المنصرم، ولكن لسوء حظه أنه كان أسود البشرة، فعندما بدأت تتضح معالم قدراته الخارقة، وبدأت شهرته تكتسح، في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، استقطبته جامعة أوهايو، فحطم كل الأرقام القياسية، وجلب لجامعته الجوائز والبطولات، ومع كل ذلك، فلم تكن قوانين الجامعة تسمح له بالحصول على منحة دراسية، أسوة بزملائه البيض، كما لم يسمح له بالسكن في الحرم الجامعي، ولذا اضطر إلى العمل الجزئي، لتأمين قيمة القسط الدراسي، ومصاريف الطعام، والسكن خارج حرم الجامعة، في حي خاص بالسود!، ولأنه بطل عظيم، بل خارق، فقد كان يطلق عليه لقب «الرصاصة» لسرعته، ثم تم اختياره ليمثل أمريكا، ضمن فريقها لأولمبياد برلين، عام 1936، أي في ألمانيا النازية، وكان الزعيم أدولف هتلر يطمح، من خلال الأولمبياد، في أن يثبت أن الرجل الأبيض أكثر كفاءة من الرجل الأسود، فماذا حدث؟!.
لقد أفسد العداء، جيسي أونز، كل خطط الزعيم النازي، أدولف هتلر، وحصل على أربع ميداليات ذهبية، في العدو والقفز، وذلك كرقم قياسي عالمي، لم يتم كسره إلا بعد نصف قرن، ويذكر المؤرخون أن هتلر رفض مصافحته، ولكنه قال له: «أنت فخر لبني جنسك!»، فهتلر يؤمن بأن العداء، جيسي أونز، رياضي عظيم، ولكنه ليس كفؤًا أن يكون فخرًا للإنسانية، بل فقط لبني جنسه السود!، وعندما عاد البطل الأولمبي إلى أمريكا، استمر التعامل معه كمواطن من الدرجة الثانية، وقد كتب جيسي بمرارة عن تجاهل الرئيس الأمريكي حينها، فرانكلين روزفلت، له، ولإنجازاته، فلم تتم دعوته إلى البيت الأبيض، ولم يرسل له الرئيس مجرد تهانية، ونحن هنا نتحدث عن واحد من أعظم الرؤساء الأمريكيين!!، وبلغ الإحتقار لهذا الرياضي العظيم أن ملاك الخيل من البيض كانوا يقيمون مسابقات ترفيهية، بين أحد خيولهم، وهذا العداء الشهير، مقابل دولار واحد للفائز، والحديث عن هذا البطل التاريخي يطول، ولكن ما يهم هو أن نتعمق في التاريخ الأمريكي، لنستطيع فهم ظاهرة المرشح الجمهوري العنصري، دونالد ترمب!.