فوزية الجار الله
من يستطيع أن يجد وصفاً أميناً دقيقاً لدفقات النور الصادرة من قلب القمر لحظة اكتماله بدراً ؟
من يستطيع أن يجد وصفاً دقيقاً لقطرات الندى لحظة انفلاتها واسترخائها على أوراق الورد الذي لم يغادر أغصانه بعد؟
من يملك وصفاً لملمس الحرير حين يتثنى بين يدي صانعه واستدارة اللؤلؤ لحظة خروجه من محارته ؟
منذ سنين وحتى الآن وأنا أبحث عن وصف لذلك الفرق الشاسع بين ذلك الزمن العادي اليومي الذي نعيشه وبين ليالي رمضان، ثمة اختلاف هائل، كنت ولازلت أتأمله بمنتهى الدهشة والانبهار في محاولة لفهمه، لذا كان علي أن أتأمل بمنتهى التركيز لحظة دخوله وذلك الفرح الذي ينثره في ملامح الناس وفي نبرات أصواتهم، تلك اللمسة النورانية التي تبدو أكثر بهاء وتألقاً لدى أولئك الرائعون الذين يملاً الحب والخير قلوبهم وتشع به أرواحهم .
يأتي رمضان وتأتي الذكريات، أتذكر أولئك الراحلين الذين كانوا يوماً بيننا، أولئك الراحلين ممن تربطنا بهم صلة محبة أو مودة أو قرابة على المستوى العائلي أو الاجتماعي، وآخرون راحلون جمعتنا بهم أرض وسماء واحدة رغم المسافات، آخرون ربطت بيننا وبينهم أواصر الكلمة وسحر الحروف وألق المعرفة واستبدادها الجميل. أتذكر بكثير من الحنين والشجن الشيخ الطنطاوي الذي طالما تعطرت بيوتنا بصوته وأمتعنا بأحاديثه الشيقة لحظة الإفطار، المذيع الراحل ماجد شبل بصوته العذب وإلقائه المميز، وقبله إبراهيم الذهبي ومحمد كامل خطاب، الكاتب الجميل عبدالله الجفري الكاتب اليومي الذي عاش طوال حياته مخلصاً للكتابة متوقداً بالثقافة والمعرفة، سباعي عثمان، عبدالعزيز مشري، وأيضاً ذلك الجميل الذي كان بحد ذاته علامة فارقة لعصره: غازي القصيبي، هؤلاء وآخرون غابوا عن عالمنا رحمهم الله، لهم منا أصدق الدعوات برحمة واسعة .. ومادمت في ذكر الغائبين لعلي أذكر كاتبة جميلة غابت اليوم في طيات الزحام، الكاتبة التي تحدثت في أحد كتبها ضمن مقال لها تحت عنوان (وفضيحة المخرج الذي شوه روح القرآن ) تحدثت قائلة: (المطلوب: إرغام كل مخرج يأتينا أو كاتبٍ يهرعُ إلينا لعمل ما، على دخول دورة تثقيفية بشؤون العرب، من أسسها الأولى إطلاعه على تاريخنا وعلى حياتنا المعاصرة ومختلف نواحيها/ إرغامه على استلام نسخة مترجمة من القرآن بدلاً من كتابة القرآن على هواه ومن دون داعٍ أو التعرض غير العادل لروح الدين سواء كتاريخ أو فلكلور ..) حتى تقول : فإن أمة لاتفرض احترامها على «عباقرة» الغرب ولاترغم العالم على فهمها هي أمة تغري الناس بانتهاك حرمتها .. )
كاتبة هذه الكلمات هي الكاتبة العربية الشهيرة «غادة أحمد السمان» التي كان لها يوماً صولات وجولات في الساحة الثقافية ثم غابت في طيات هذا العالم. كل عام وأنتم أبهى وأجمل، كل عام وأنتم بخير.