ميسون أبو بكر
السيدة الأمريكية التي دعوتها على العشاء وقمت بواجبها بسفرة متنوعة لم أبالغ بها كثيرا فقد حذفت المفطح والذبائح واقتصرت على بعض الأطباق الشعبية والمشهورة في الخليج؛ اقتربت مني لتسألني بعد الانتهاء من وجبة العشاء: أين سأذهب بالطعام الزائد؟
أصبت بداية بالدهشة لسؤالها ولما تخلصت من (التأتأة) في الحديث أخبرتها أنني سأرسل بما تبقى للسائقين وبعض العمالة معهم، ثمّ ما لبثت الضيفة بعد إجابتي لها أن شعرت بالارتياح والفرح.
كان ذلك درسا لي تعلمت منه بعد ذلك أن أقدم للضيف ما لا يزيد عن ثلاثة أصناف بكميات معتدلة إلا في المناسبات التي تفرض علينا كأسرة سعودية وضع الذبيحة بالرأس والشحم واللحم على المائدة منعا للانتقاد من الذين مازالوا يحافظون على التقاليد والمظاهر.
تذكرت هذا الموقف وأنا واقفة أمام (كاشير المحاسبة) في (السوبر ماركت) بعد صف طويل من العربات الممتلئة بمقاضي رمضان وتساءلت: لو السيدة ذاتها كانت موجودة هذه اللحظة ماذا عساها تظن؟ ربما يصعب أن أضع خيارات قد تفسر الموقف أو تبرر العربات الممتلئة والـ(سِّرا) الذي يمتد من المحاسب أمتارا!!
كيف يمكن أن تشرح لأحد مفهوم الصوم والشهر الفضيل! بينما الذي ينظر لازدحام الشوارع والمحال التجارية والعربات المتخمة بما لذ وطاب يظن أننا في مهرجان للأطعمة تتفنن فيه الشغالات والطباخات والنساء اللاتي يعددن السفر الممتدة ولم ينقرضن بعد!!
لعل لقيمات تسد رمق الصائم وجوعه، ولعل معظم ما يُعد يذهب إلى الحاوية، والعالم ما بين لاجئ ومشرد ومعذبين في الأرض ومغتربين وآخرون ينتظرون الموت أمام فوهة المدافع، وأطفال جياع ينتظرون حفنة أرز أو كسرة خبز وتنقلهم شاشات التلفاز في كل نشرة أخبار ؛ فهل سنقاوم يا ترى مغريات طقوسنا التي لا تتناسب مع الشهر الفضيل ومجريات الأحداث في العالم حيث تمتلئ موائدنا بينما بُطُون الآخرين فارغة من أيام وأجسادهم تحت الأنقاض وفي العراء؟
في رمضان شرع الله الصيام كي نشعر بفقر الآخرين وجوعهم وعطشهم، ولنتصور عوزهم والظروف التي قد تمر بهم ولنتعلم الصبر والتحمل، وما يحدث هذه الأيام وكأنه سباق محموم للطعام وليس صبرا وابتلاء للعطش والجوع!
الكل يستغلنا في رمضان؛ محال المنتوجات الغذائية والأواني المنزلية والمطاعم وحتى الشغالات والأيدي العاملة تتضاعف مرات ونحن راضون خاضعون لأشياء ابتدعناها بأنفسنا.
تنتهي حمى التسوق في رمضان لتبدأ حمى أخرى ومرض متفشّي آخر، وهو التسوق للعيد وللأسف نورّث هذه الطقوس لأولادنا مع سبق الإصرار عليها، ونتغافل أن نعطي العالم الذي يتربص بِنَا ويهزأ من بعض سلوكياتنا الخاطئة الصورة الصادقة للمسلم الحقيقي الذي كان خير الأنام محمد بن عبدالله قدوة له.
الآن لعلنا أكثر وعياً، وما يدور حولنا لا بد ويجعلنا أكثر مسؤولية، والمرأة ضيفتي والتي كانت تخشى أن يكون مصير الطعام إلى الحاوية نحن أولى أن نكون أكثر حرصا منها، لأن نبينا محمد دعانا إلى عدم التبذير والإسراف والشعور بالآخرين وجوعهم، وما نقوم به من تصرفات إنما يعكس التربية الحقّة والثقافة التي لا بد وتكون لدينا وتظهر للآخرين.
صوموا تصحوا، وكُلُوا واشربوا ولا تسرفوا،و المبذرون كانوا إخوان الشياطين.