د.عبدالعزيز الجار الله
كيف استطاع محمد علي كلاي يرحمه الله رحمة واسعة أن يعيش التحدي في أمريكا وكان معظم الشعب الأمريكي في الستينات الميلادية ضد توجهه، وهذا ليس التحدي الوحيد كونه مسلماً، بل أيضاً من الملونين حين كانت العنصرية على أشدها, كان كلاي يعيش تحدي العقيدة البكر في أمريكا، وتحدي اللون، فقاتل من أجل معتقده وجنسه الإفريقي أي عاش تحدي إسلامه وعنصره البشري حين كان الملون ينبذ من الأماكن العامة، والمسلم ينظر له بدونية وسط ثقافة الستينات التي تعلي شأن الأبيض والثقافة الغربية، ومازالت هذه النظرة حتى الآن وإن كانت مبطنة لكنها ظهرت وسطعت علنا في سباق الانتخابات الأمريكية 2016م.
كان محمد علي كلاي يقاتل: بقبضته، وصوته، وفكره، وأعماله الخيرية، وسلوكه الإسلامي، لم يلطخ سمعته الشخصية ومسيرته الرياضية، بل حافظ على السجل الشخصي والرياضي نظيفاً، واستمر في عطائه حتى اعتزل يدافع عن الإسلام وعقيدته ولم يتراخ حتى وهو مصاب بمرض الرعاش، وفي أعنف المواجهات بعد أحداث (11) سبتمبر عندما تحول كل الحقد على الإسلام وتجيش الإعلام والمؤسسات الرسمية ضد الإسلام وقادت أمريكا الحرب ضد أفغانستان والحرب ضد العراق من أجل رد الاعتبار، ومارست الضغوط على الدول الإسلامية بالتهديد والإجراءات.
بقي كلاي ثابتا لا ينحني رمحاً شاخصاً لا يهتز ولا يساوم أمام معتقده الإسلامي، واستمرت أعماله الخيرية بالعطاء وصوته بالمناسبات عالياً يدافع عن الإسلام، وحتى في موته جعل تأبينه مناسبة إسلامية عالمية أشرف عليها وهو ميت، وحرص أن تكون كل خطوة وكل بروتوكول رمزية إسلامية حتى وأمريكا الانتخابية تعيش أشرس العداء من العالم المسيحي والغربي على الإسلام والعرب وعلى الثقافتين الإسلامية والعربية.
كيف استطاع رجل واحد أن يفعل ما عجزت عنه جميع وسائل إعلام المسلمين والعرب طوال أكثر من قرن من الزمن، كيف أستطاع الشاب الملون في زمن العنصرية والعداء ضد كل ملون وضد كل دين غير عقيدتهم وثقافتهم، أن يفرض إرادته، وبالمقابل ننهزم نحن بكل مليارنا من أن نواجه البذاءات والإهانات التي يتعرض لها الإسلام، بل إن البعض يكتم ثقافة هذا الدين خوفاً من وصفه بالتطرف والإرهاب، ومن المسلمين من يبعد كثيراً في الغلو الحضاري ويظهر العداء للإسلام ليثبت للآخر أنه بريء من هذا الدين، وهذه للأسف أقل الدرجات في الهوية الدينية، والهوية العرقية، والهوية الثقافية.