عبد الله باخشوين
.. علاقة أبناء جيلي بالتكنولوجيا الحديثة وأجهزة الكمبيوتر طارئة وبدأت متأخرة تهدف لـ((المسايرة)) غالباً.
إلا أن هناك حالات استثنائية.. يمكن أن نقول إن علاقتها بالكمبيوتر من ذلك النوع المتأصل.. مثل علاقة عبدالله بخيت وعبدالكريم العودة.. وإن كان ارتباط عبدالله بخيت أقدم وله حضور في كل ما كتب من مقالات وأعمال فنية وإبداعية.. أما ارتباط عبدالكريم العودة بهذا الجهاز الحيوي فقد تعمق خلال فترة عمله في المؤسسة التعليمية السعودية في أمريكا.
أما في جدة فهناك خالد باطرفي وميسرة طاهر.. لأن خالد لا يكاد يفارقه جهاز الـ((لاب توب)) فهو يخزن عليه كل أعماله الصحفية والكتابية وإذا سألته عن شيء.. التفت للجهاز.. وبعد عدة نقرات أخرج أو أظهر لك ما تريد أن تعرف عنه.
وميسرة طاهر.. مهمة جهاز الـ((لاب توب)) لها مهام عملية أكثر.. فهو لا يفارقه بطريقة ((نوعية)) فعندما دعوته لـ((سلطنة عمان)) لحضور زفاف ابني محمد جاء بجهازه ومنذ وصوله لمطار مسقط صعد للسيارة وفتح الجهاز ومضى يعمل عليه دون أن ينتبه لشيء من معالم مدينة مسقط التي كان يزورها لأول مرة.. وبعد عودتنا لجدة وفى حفل عشاء بنفس المناسبة.. احتل مقعده في ((المجلس)) وفتح الجهاز ومضى يعمل عليه متجاهلاً تلك الأحاديث الاجتماعية التي كانت تدور.
هذا طبعاً قبل أن تصلنا تقنية ((الجوال)) بما فيها من ((برامج)) تضمن للإنسان أن يكون وحيداً مع جهازه وفى نفس الوقت يكون مشاركاً لكل الآخرين.
هذه التقنية التي اجتاحت الأخضر واليابس وجعلت الناس يتشاركون في كل شيء ويلتقون عبر الشاشة الصغيرة بين أيديهم دون أن يلتقوا وجهاً لوجه لعدة شهور.. أما إذا التقوا فإن الأمر لن يتجاوز السلام والسؤال عن الصحة وما إلى ذلك من مجاملات قبل أن يتحول كل إلى الشاشة التي بين يديه ويدخل في ((العالم الافتراضي)) الذي بناه لنفسه كبديل للعالم الواقعي المعاش مختصراً بذلك المسافات والزمن وكل ما يخطر ببالك من معوقات.
غنى عن القول إن كل أبناء جيلي واكبوا التطور وسعوا للدخول في عالم هذه التكنولوجيا التي بدأت بالكمبيوتر واللاب توب وانتهت بالجوال.. وغنى عن القول إنه لا يوجد أحد منا لم يستعن بأحد أولاده الصغار ليتعلم منه بعض الدروس في عمليات التشغيل.. أو لفهم بعض المهام التي يستعصى عليه تشغيلها.. أو لتذكيره ببعض ما نسيه من مهام التشغيل.. قبل أن يقتنع بأن ((مواهبه)) لا تكفي إلا للقيام بالمهام الضرورية التي يحتاجها دون أن يتوسع و((ينحاس)) فيما لم يفهم.
وغنى عن القول -أيضاً- إن هذه التقنية ((الشابة)) يفهمها الشباب ويجيدون التعامل بها ومعها.. ويقدر على فك كل طلاسمها كل من وصل إلى سن تسع سنوات بمهارة ((ليونيل ميسي)) في المراوغة وتسجيل الأهداف.
وفي تعاملي مع الكمبيوتر جربت الكتابة.. لكني لم أستطع.. لأن العلاقة مع الورق والقلم هي علاقة وجدانية ذات أبعاد لا يمكن أن تشعر بها وأنت تحاول أن ((تنقر)) الكلام وتنقله للشاشة أمامك.. لكن يمكن أن تقوم بكل مهام ((التنقيح والتبييض))
وكتابة الرسائل والدخول في حوارات مع الآخرين لكن يصعب عليك جداً أن تقوم بعملية إبداعية ذات شحنات وجدانية.. لا بد أن تشعر بها مترجمة من خلال ما تخطه على الورق.. ويتجسد ((هاجسك)) الوجداني مكتوباً في شكل الكلمة وانحراف الحروف وتداخل بعض النقاط ونسيان بعضها.. لأن الورق والقلم في الحالة الإبداعية ينقل درجة تفاعلك وانفعالك.. الأمر الذي يجعلنا نزعم أن الكتابة عبر أي وسيط آخر.. هي كتابة عقلانية.. تقترب من ((الرياضيات)) وتبتعد عنها بهذا القدر أو ذاك.. لكنها لا يمكن أن تعطى لك مؤشر على حرارة الوجدان مهما حاولت أن تشحنها بحرارته.. صحيح أن هناك عدد كبير من الكتاب أصبحت هذه الوسائل هي طريقتهم الأساسية والوحيدة للكتابة كنوع من ((الاكتساب)) الذي يعوض الوقت ويختزل الجهد.. أما بالنسبة للشباب الذي تعلم التعامل مع التقنية كأداة أساسية للتعبير فإن الأمر يختلف كثيراً.. ربما لأن ورقته وقلمه هي ((كمبيوتر وشاشة)).. أما القلم فهو وسيلة وحيدة لـ((التوقيع)).
وهنا أذكر أن ابني حكم سألني ذات مرة في إحدى الدول الأوربية وكانت تبدو عليه الحيرة:
- يا بويا.. أوقع بالعربي ولا بالإنجليزي.
قلت بضيق وكان ((الخواجة)) ينتظر:
- ما أدري عنك.. حط توقيعك اللي ما يمكن تنساه.. وخلصنا..