د. محمد عبدالله العوين
إعلان بحجم صفحتين كاملتين عن بيع مخطط أراض في أحد أحياء الرياض الراقية، وتتراوح أحجام القطع ما بين 1000م إلى 2000م مربع.
رسمت المخططات بعناية فائقة، ورقمت بدقة، وحددت شوارعها الواسعة بحدود 25م وشخصت ملامح الحي السكني ومرافقه العامة من مساجد ومدارس وحدائق، لم أستطع إغلاق الصفحتين المزينتين بالألوان وعبارات الإغراء لحضور المزاد الذي سيقام غدا عصرا؛ لكن حوارا أخذ يصطخب في داخلي بين سائل ومجيب؛ يا ترى من سيحضر غدا للشراء؟ من هو ذلك الذي يستطيع دفع ثلاثة آلاف للمتر المربع أو أكثر؟ ولو افترضنا أن اثنين من الكادحين اشتركا في شراء قطعة واحدة بحيث ينال كل واحد منهما 500م فكم سيدفع إن وصلت قيمة المتر إلى أربعة آلاف كما هو متوقع في ذلك الحي الفاخر؟! إن عليه أن يحضر معه شيكا بمبلغ مليوني ريال.
دعك من تلك الأحلام المترفة الفاخرة، لا تذهب بعيدا وتحلق في عالم مخملي ليس لك ولا أنت له، إن أردت أن تشتري قطعة أرض صغيرة على قدك فعليك ألا تطمح فوق 400م وعليك أن تدور في مربعك القديم فلا تخرج عن طبقتك التي عشت معها سنين عمرك وعاشت معك، وتجولت بين أزقة شوارعها الضيقة وصففت سيارتك بجانب سيارات جيرانك المتراصة في طوابير طويلة لا يمكن أن تجد سيارة متأخرة لها بعد منتصف الليل موقفا.
دعك من مخططات الأراضي وإعلان المزادات وعد إلى مخططات البحوث العلمية التي تزدحم بها دواليب مكتبتك، اقرأ منها ما شئت أن تقرأ، وانهل منها ما شئت أن تنهل، وصحح منها الهمزة التي وضعت على السطر وكان محلها النبرة، وعدل العنوان الطويل الفضفاض إلى عنوان قصير محكم يدل دلالة مباشرة على موضوع الدراسة عن شعر فلان أو نثر علان، وأعد النظر في فهارس الباحث المتعجل وصنيعه غير المتقن الذي لم يفرق فيه بين المصدر والمرجع ولم يحسن ترتيب ما عاد إليه من كتب وأبحاث ترتيبا ألف بائيا أو أبجديا، وخلط في سرد أسماء المؤلفين وعناوين كتبهم؛ فمرة قدّم اسم المؤلف ومرة اسم الكتاب، ودقق ما شئت أن تدقق وما أسعفك الليل وبيتك الصغير من حولك ساكن هاجع إلا أنت في الفاصلة والفاصلة المنقوطة وعلامة التعجب والاستفهام وبقية علامات الترقيم!
ما شأنك ومخططات الأراضي؟! وكيف سمحت لعينيك المتقلبتين بين عناوين الصحيفة على عجل أن تطيل التأمل في شأن ليس من شؤونك ؟! أغرك تشابه الأسماء؟ أم خدعك تقارب العناوين؟! ألم تفرق بين مخطط ومخطط؟! ألم تفكر قبل ساعتك المتأملة التي طالت هذه في الفارق الكبير بين مخططات الطلاب الباحثين في دروب العلم ومخططات الأغنياء والمترفين ممن لم يشغلوا أنفسهم بمثل مخططاتك البائسة؟! كيف لم يسعفك ذكاؤك العلمي الذي لم يتجاوزه إلى ذكاء معيشي ألا تبصر وتعي أن أول مربوط لأستاذ جامعي لا يتجاوز 12765 ريالا! فكيف لك وقد عدت إلى واقعك بين مخططات البحوث العلمية أن تطمح بأن تدخل إلى عالم ليس عالمك على الإطلاق ولا يحق لك أن تقترب منه وحسابك في البنك ينازع النفس الأخير قبل يوم الخامس والعشرين من الشهر؟!.