قاسم حول
ليس سهلا أن تتخذ أكاديمية السينما في هولندا «أكاديمية الملك وليام \ جامعة روتردام» قراراً يسمح بأن ينفذ طالب السينما فيلماً خارج هولندا، وبالذات في العراق حيث يتعرض السينمائي وتتعرض المعدات التي يحملها إلى مخاطر الخطف أو القتل، ولكن على ما يبدو، لأن الإرهاب قد طال المدن الأوربية في بروكسل وباريس وألمانيا مؤخراً حيث أفشل المخطط الإرهابي قبل تنفيذه، هذا الإرهاب شعرت أوربا بضرورة المواجهة الإعلامية، بعد أن إنتشر إعلام ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية «داعش» الذي ينفذه خبرائهم في الإعلام والتقنية التي غزت كل شبكات الإنترنت، جعلت أوروبا مذهولة أمام هذا الكم من الإرهابيين والإعلاميين الإرهابيين، وجلها عمليات إنتحارية! حيدر الجزائري الذي عمل مساعد مخرج في قناة «سما دبي» لقرابة العام، وكان أحد مؤسسي القناة العراقية في مدينة البصرة بعد سقوط النظام السابق. أكتسب خبرة عملية أهلته كي يلتحق بأكاديمية الملك وليام الهولندية، وهو الآن مؤهل لأن يخوض تجارب روائية كمخرج وأيضا كمونتير.
ما هي فكرة فيلم «الجدار الأخير»؟ يقول حيدر:
* هي غرفة ريفية تريد أم عراقية بناءها لكي تزوج ابنها، حين اخترق تنظيم داعش الحدود العراقية وأصبح على تخوم مدن عراقية كثيرة مقتربا من المدينة التي يسكنها، فأحس الابن إن مقاومة الحركات الإرهابية واجب وطني، وبدونه سوف تسقط مدن عراقية كثيرة. فيلتحق بالمقاومين ويصاب في كتفه بشظايا كان لا بد من أن يخسر يده لكي يسلم جسمه من الأذى. لكنه يرفض أن تقطع يده وهو يعاني بين حلم الزواج وحلم الدفاع عن الوطن، ويريد أن ينجز الجدار الأخير لغرفة الزوجية. توصل الأطباء إلى إمكانية إجراء عملية وفيها نسبة ضئيلة من النجاح خشية أن يسري التسمم إلى جسمه ويخسر حياته. وبعد نجاح العملية يذهب سعيداً إلى بيته لكي ينجز بناء الجدار الرابع لغرفة الزوجية، فيحصل انفجار في المنطقة وتنطفئ الأحلام!
هل ثمة معاناة في تصوير الفيلم وسط الإنفجارات والمفخخات التي يتعرض لها كثير من المخرجين في العراق خلال تحقيق أفلامهم؟
* عندما ذهبت إلى العراق ومع كل معاناة الوصول عن طريق دولة الكويت ومعي معدات التصوير، باشرت ببناء البيت وتصوير البناء وهو ضمن سياق الحدث في السيناريو، أدركت أهمية الواقع وانعكاسه على جماليات الفيلم وصدق تعبيره، ما لا يستطيع الديكور خارج وطن الأحداث تحقيق هاتين الميزتين «الجمالية وصدق التعبير»، ولكن بالمقابل كانت ثمة عوامل سلبية في التجربة. هذه السلبية تتمثل في العادات والتقاليد، وعلى سبيل المثال «من الطبيعي أن تكون العلاقة الإنسانية بين الأم وأبنها بطلي الفيلم أن يمسك أحدهما الآخر أو يلمس الشاب يد أمه، أن تعانقه أمه قبل الذهاب للمعركة» وهذا ما لا يجوز أن تحصل مثل هذه العلاقة على المستوى الإجتماعي حتى وأن كان على سبيل التمثيل، ما اضطرني ذلك أن أبحث عن أم ممثلة وابنها ممثل وأسند لهما الدورين حتى أستطيع ويستطيعان أن يتصرفا كأم وابن، ولو كان الابن ممثلا والأم ممثلة وهي ليست أمه الحقيقة لتعذر علي تحقيق هذه العلاقة الإنسانية في الفيلم. كانت هذه العلاقة وإسناد الدورين إلى أم وابنها الممثل ساعدني أيضا في حميمية العلاقة سينمائيا!
هل غطت أكاديمية السينما كل متطلبات الإنتاج؟
* لقد غطت أكاديمية السينما جانبا هاما من متطلبات الإنتاج وكذلك العمليات الفنية اللاحقة. إذ لم تكن الأكاديمية تعتقد بأنني سوف أسافر للعراق لتصوير الفيلم في مواقعة الحقيقية. كان يمكن أن أدخل البلاتو وأنفذ المشاهد في هولندا، لكنني من أجل صدق الواقع كنت مصراً الذهاب للعراق. ولكي يحقق طالب سينما مثلي فيلماً بعشرين دقيقة وهي مدة زمنية غير قليلة، وفي ظروف فنية وإنسانية صعبة، تفرض علي دفع مبالغ للممثلين وفي الأقل توفير الطعام والتنقلات لهم ونقل المعدات في مواقع تصوير متباعدة عن بعضها. بينما لو صورت الفيلم في هولندا لما تحملت هذه الكلفة الإنتاجية في التنقلات والطعام. هذه مشكلة حقيقية تضاف إلى المشاكل الاجتماعية. وقد حاولت الحصول على بعض المساعدات وعلى جهة سياسية مقاومة للإرهاب، ولكن لم يكن ذلك متيسراً، لكن إحدى الجهات السياسية المقاومة للإرهاب شملت الممثلين بوجبتي طعام يوميا طوال فترة التصوير مع طعام المقاتلين. ما سهل علي جانباً من المعاناة، ولو بشكل نسبي. ولقد ساعدني بعض الأصدقاء الذين يعملون في المدينة التي أصور فيها وبشكل خاص المخرج «كاظم حسين» من توفير الفواكه والعصائر والماء للممثلين في فترات الاستراحة، كما وفر لي مشكوراً جانب من التنقلات ونقل المعدات لمناطق التصوير
هل ثمة مخاطر حقيقية أثناء التصوير؟
* أن ظروف الإرهاب وتوقعات هجوم الإرهابيين على أية منطقة يختارونها وبشكل خاص لو عرفوا بوجود تصوير فيلم وي تحدث عن الإرهاب ومقاومته. وبعد أن أنجزنا التصوير حصلت إنفجارات في المنقطة التي صورنا بها بالذات!
لماذا كنت مصراً على السفر للعراق وعدم الاكتفاء بالتصوير في ستوديوهات هولندا؟
* عندما أخرج «جريفث» أول فيلم روائي أمريكي، وكان الفيلم عن الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في الولايات المتحدة الأمريكية، واحتاج إلى أن يصور السود ودورهم في الحرب، ولما كان السود محرم عليهم الظهور على شاشة السينما بسبب التمييز العنصري فإن المخرج عمد إلى صبغ ممثلين شقر بالصبغ الأسود ما ترك أثراً سلبياً على المتلقي، وبدا الفيلم كما لو كان مضحكاً، هذا فقط لأن مخرج الفيلم «جريفث غير ملامح الشخصيات، ففقد الفيلم مصداقيته، فكيف أن تغير ملامح الحدث بكاملة. ولذلك بعد أن أنجزت تصوير الفيلم وعدت مع المواد، وبعد أن تعرضت إلى مخاطر حقيقية في تنفيذ المشاهد، وشاهدت المواد بتأمل كبير، وجدت أن صدق الواقع قد أنعكس على جماليات المشاهد. وها أنا أباشر بتوليف «مونتاج» الفيلم وهنا أستفيد من الوسائل التقنية من المؤثرات البصرية والصوتية لخلق التأثير المطلوب لما يحقق الفكرة الأساسية للفيلم.
الجدار الأخير فيلم تجاوز الأطروحة الأكاديمية!
* شاهدت مشاهد من الفيلم وشعرت بأن حيدر الجزائري مخرج واعد وأظن أن فيلمه فيه من المشاهد المؤثرة التي تتجاوز أفلام الأكاديميات التي تتسم عادة بالجانب التجريبي. أنها تجربة لمخرج محترف، ساعدته خبرته في المنطقة العربية وفي العراق وفي دبي في تأكيد حرفيته، ومن هذا المنطلق فإن أكاديمية الملك وليام السينمائية الهولندية فتحت له ولأول مرة أفق السفر وتصوير الفيلم كما لو كان فيلما حرفيا وهو كذلك وأظن بأنه سوف يأخذ مكانته في مهرجانات السينما في العالم.