هاني سالم مسهور
ما أن حدد المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد تاريخ 10 أبريل موعداً للهدنة وتاريخ 17 أبريل 2016م موعداً لمفاوضات سياسية في الكويت حتى تبادرت أسئلة مثارة عن نوع الاختراق السياسي الذي حدث في اليمن لتكون الكويت هي محطة يمنية قادرة على تحويل اليمن من اللادولة إلى الدولة، هنا مجرد مدخل لقراءة في التركيبة السياسية اليمنية التي ازدادت تعقيداً منذ 21 سبتمبر 2014م مع انقلاب الحوثيين ودخول اليمن في هذا المأزق.
يقف كثير من المحللين السياسيين عرباً أم أجانب أمام التركيبة السياسية اليمنية غير قادرين على إيجاد معالم محددة للخروج من الأزمة إلى أفق أكثر اتساعاً يمكن به إيجاد التسويات السياسية التي يمكنها أن تصنع استقراراً يسهم في تنمية اجتماعية واقتصادية وتكون رافداً من روافد التكامل السياسي والاقتصادي في جزيرة العرب.
التعقيدات السياسية اليمنية بدأت مع دخول المذهب الزيدي إلى اليمن بوصول الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، المعروف بالهادي، في نهاية القرن الثالث الهجري. وقد استطاع الهادي أن يقيم دولة له في صعدة. فكان المؤسس الأول للدولة الزيدية، وكان عالماً فقيهاً مجتهداً، ومعه دخل المذهب الاعتزالي الذي أصبح لصيقاً بالزيدية إلى اليمن. استمر حكم اليمن بيد أولاد الهادي وذريته حتى قيام الثورة اليمنية سنة 1382هـ (1962م)، وهي أطول فترة حكم في التاريخ حيث دام أحد عشر قرناً.
هذه الفترة الزمنية الطويلة كرست في شمال اليمن حكم الفرد وعملت على تعميق الارتباط اجتماعياً وفق عقد يجمع (القبيلة والمذهب) وهو ما يمكننا أن نصفه بأنه (تزاوج) يطابق الزواج الكاثوليكي عند المسيحيين، ومع هذا الامتداد الزمني ارتبط شمال اليمن بالأمية والفقر حتى ظهور الجمهورية بعد سنوات كثيرة دفعت ثمنها باهظاً مصر بجيشها، فلقد شكل الجيش المصري في الثورة اليمنية القاعدة الأساسية في الثورة وكذلك الدولة.
المشكلة اليمنية ـ شمالاً ـ كانت أكثر تعقيداً من الجنوب، بل يمكن كثيراً أن نصنف المشكلة السياسية في اليمن أنها أكثر مشكلة معقدة على نطاق الشرق الأوسط، فإلى جانب سيطرة القبلية على الذهنية فإن اليمن يعيش تفشياً وانتشاراً واسعاً للأمية وهو أحد أهم عوامل التعقيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، البناء السياسي في اليمن من خلال كل الأحزاب بدون استثناء لم يكن بناءً صحيحاً، فأحزاب المؤتمر الشعبي العام والإصلاح والبعث وغيرها الكثير من الأحزاب لم تكن ذات تأسيس حقيقي بل كانت مجرد مسوغات لممارسة العمل السياسي في بلد لم يكن قابلاً للتداول السياسي منذ ميلاده في 1962م.
الوقوف أمام حقيقة الأحزاب وأدوارها هي مهمة جسورة لتفكيك العلة اليمنية المتأصلة، فلابد وأن تعلم تلك الأحزاب أنها هي السبب الرئيسي في اختلاق الأزمات، وأنه لا يمكنها أن تكون وسيلة لحلول تلك الأزمات السياسية العاصفة، فمن السهل في بلد كاليمن ضعيف الموارد شحيح الوعود أن يجمع المخلوع صالح مئات الآلاف من الجوعى والفقراء ليهتفوا بحياته وحياة الوحدة والجمهورية، وكذلك يفعل الحوثيين والإخوان المسلمين، هذه الحالة من جمع الحشود لممارسة الهتاف والصراخ من أجل قليل من ماء وطعام وكثير من أغصان قات هي التي صنعت كامل المأساة السياسية في اليمن.
كشفت المبادرة الخليجية في 2011م مدى هشاشة الأحزاب السياسية في اليمن، وعبرت المراحل التالية والتي أوصلت اليمن إلى انقلاب ثم حرب أهلية إلى أي مدى تتورط تلك الأحزاب في الفساد والدفع بكل الثوابت الوطنية والمكتسبات إلى ارتهانات عسيرة دفع ثمنها أخيراً الشعب قتلاً وتشريداً وتهجيراً، فكل الأحزاب بما فيها الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام والبعث والاشتراكي والناصري ساهموا في ما وصل له اليمن من حال بؤس لم يكن يستحقه الشعب ولا حتى كل المحيط العربي الذي تأذى من عبثية السياسة اليمنية التي صنعت أحزابا بلا.. قواعد.