لبنى الخميس
في دراسة أجريت لتحليل المحتوى الإخباري، وجدت بأنه مقابل كل 17 خبرا سلبيا هناك خبر واحد إيجابي، فغالباً ما تطغى الأخبار المغمسة بالدماء والمدججة بالعنف على المحتوى الإخباري والإعلامي عالمياً، لقدرتها على التأثير في نفوس العامة، واستمالة عواطف الدهماء، وتتصدر مآسي العالم عناوين الصحف وأحاديث برامج «التوك شو» ومحتوى مواقع التواصل الاجتماعي مثل: الحرب على الإرهاب، الاحتباس الحراري، المجاعات في أفريقيا، الصراعات الدينية والسياسية في الشرق الأوسط وغيرها.
وفي ظل ازدحام هذه الأخبار وتراكمها في مستودع عقلك الباطن، قد يتجدد إيمانك بأننا نعيش في إحد أسوأ عصور البشرية وأكثرها عنفاً وتخلفاً، لكن جملة من الحقائق والمعلومات التي سردها الإعلامي الأمريكي من أصول هندية د. فريد زكريا في أحد أشهر خطاباته في جامعة هارفارد، تؤكد أننا ننعم بأحد أكثر العصور الإنسانية سلاماً وأمنا وتقدماً. أذكر منها:
الأشخاص الذين توفوا بسبب الحروب والهجمات الإرهابية اليوم أقل بنسبة 50% مما كان عليه الحال في تسعينيات القرن الماضي، وأقل بنسبة 75% من العقود الخمسة الماضية، وأقل بنسبة 99% من ضحايا الحرب العالمية الثانية. كما أن الاستقرار السياسي الذي نعيش فيه اليوم كبشر مكّن الكثير من الشعوب والأمم للتعاون والتبادل التجاري، وبالتالي ازدهار الأوطان وعمران البنيان. فالاقتصاد العالمي ينمو بنسبة 20% أسرع مما كان عليه قبل 10 سنوات، و60% أسرع مما كان عليه قبل 20 عاما، و5 أضعاف ما كان عليه قبل 30 عاماً.
وحين نسلط الضوء على الجمهورية الحمراء أضخم الجمهوريات من حيث عدد السكان (الصين)، نجد أن المواطن الصيني اليوم أغنى 10 أضعاف وأطول عمراً بمعدل 25 سنة مما كان عليه قبل 50 عاماً، علماً بأن الفرد الصيني ليس الرابح الوحيد في معادلة ارتفاع متوسط العمر، حيث يضيف الإنسان إلى متوسط عمره خمسة ساعات كل يوم، ما سيمكن ثلاثة أرباع مواليد الدول النامية من العيش حتى عمر الـ 100 ويعود ذلك إلى ارتفاع معايير الحياة، وتقدم أساليب التعقيم والعلاج، والوعي الصحي وتقنيات الكشف المبكر.
الإنسان لم يصبح أطول عمراً وأفضل صحة بل وأكثر ذكاء، حيث يؤكد الأستاذ الفخري في جامعة اوتاغو جيم فلين، بأن نسبة ذكاء الإنسان في القرن الماضي كانت تتوقف عند 70 درجة في حينها أنها تصل اليوم إلى 130. وحتى نفهم مدى التقدم المعرفي لهذا العصر.. الآي فون الذي تملكه اليوم هو أكثر تطوراً وتعقيداً من أجهزة المركبة الفضائية التي حطت على سطح القمر ابولو 11 عام 1969. أما بما يتعلق بتعليم الفرد فعدد خريجي الجامعات في العالم من الذكور تضاعف 4 مرات عما كان عليه في السنوات الأربعين الماضية وتضاعف 7 مرات عند النساء، في انتصار بهي وجميل للعلم وتصاعد أعداد الجامعيين.
نحن أمام حزمة من الانتصارات الإنسانية المذهلة، والمحطات المشرقة من حياة بني البشر الذي يخطون باتجاه عالم أكثر سلاماً ونوراً وتقدماً. فلماذا لا نسمع عن هذه الأرقام الإيجابية؟ لم تضيع في زحمة تحيزنا للأخبار السوداوية؟ لماذا لا تخصص الصحف منصباً بعنوان «رئيس تحرير الأخبار الإيجابية» ينقب عن الخبر المفرح، ويستميت للحصول على «سكوب» سعيد، ويحتفل بإنجازات البشرية ويتغزل بنجاح أفرادها، ويحرص ألا يصدر عدداً دون أن يكون للسعادة والإيجابية والتفاؤل مقعد أمامي، يثري عالمنا ويعيد إيماننا بجمال الحياة وعظمة الإنسان!