لبنى الخميس
ما هي القصة خلف هذا العنوان الصحفي الذي كتبته إحدى الصحف الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر؟.. ومن كانوا يقصدون بتاجر الموت؟ القصة طريفة وخلفها عبر جميلة. لا بد أن الأغلبية العظمى سمعت بجائزة نوبل، أرفع جائزة علمية في العالم، أسسها العالم ألفرد نوبل، مخترع الديناميت الذي تم استخدامه في نواحي سلبية وخطيرة مثل الحروب والتفجيرات التي أودت بحياة الكثيرين، وليس بالاستخدامات الإيجابية مثل أن تفجر جبلاً راسخاً لتحفر نفقاً، لكن نوبل حصل على ثروة طائلة من خلف هذا الاختراع وأصبح اسماً معروفاً في أوساط المجتمعات الأوروبية.
وفي أحد الأيام توفي أخ ألفرد نوبل، فاعتقدت الصحافة وقتها أنه ألفرد مخترع الديناميت هو من مات، فتفننت الصحف في فرد «مانشيتاتها» وكان أحدها «مات تاجر الموت» وصحيفة أخرى كتبت «مات الذي صنع ثروته من دماء الناس». فاستفاق نوبل على هذه العناوين المفزعة التي لم يجرأ أحد على قولها في وجهه وهو حي، هالته صورته البشعة وأصيب على إثرها بنوبة كآبة حادة وخيبة أمل عميقة. فقرر أن يصلح غلطته ويحسن سمعته بعد شعوره بالندم، ويؤسس جائزة باسمه للسلام تكفيراً عن ذنبه ودعوة للناس أن تتذكره بالخير. ومن حينها نسي الكثيرون أنه مخترع الديناميت.
ومنذ تأسيسها عام 1901 ارتقت وتوسعت حتى أضحت أهم جائزة بشرية على الإطلاق، تقدم تكريمها كل عام في 6 مجالات: السلام الأدب الطب الكيمياء الفيزياء والاقتصاد. تجاوز عدد الفائزين فيها 900 فائز بواقع 844 رجلا، و48 امرأة، و23 منظمة وتعد الولايات االمتحدة الأمريكية أكثر بلد حاز على التكريم النوبلي، وتتفوق عليها فرنسا في مجال الأدب كونها أكثر دولة استأثرت بانتباه لجنة الجائزة في هذا المجال، أما أصغر فائزة فهي الباكستانية مالالا يوسف في مجال السلام، وتم تكريمها في العاصمة ستوكهولم لتلقي عقب حفل التكريم خطاباً ملهماً حاز على أكثر من مليون مشاهدة على اليوتيوب شكرت فيها والديها قائلة «شكراً لوالدي الذي لم يقص جناحي وجعلني أطير، وشكراً لوالدتي التي علمتني أن أكون صبورة وأتحدث دائماً بصدق وهو ما نؤمن أنه الرسالة الحقيقية للدين الإسلامي».
مالالا هي أحد 12 مسلماً حازوا على جائزة نوبل في فروع مختلفة منها السلام مثل ياسر عرفات وأنور السادات ود. محمد البرادعي والأدب مثل نجيب محفوظ والكيمياء مثل د. أحمد زويل ما يشكل نسبة لا تتجاوز 1.5% من مجموع الفائزين بالجائزة منذ تأسيسها عام 1901.. رقم ضئيل ومتواضع يعكس واقع أمتنا الإسلامية الغارق في دوامة حروب وصراعات مستمرة أشغلتنا عن التنافس العلمي والسباق المعرفي، فإذا ما قارنا اليهود الحاصلين على 140 جائزة نوبل رغم أن تعدادهم السكاني لا يتجاوز 30 مليون نسمة حول العالم، في حين أن المسلمين يزيد عددهم عن مليار ونصف المليار مسلم حاصلين على 12 جائزة فقط.
شئنا أم أبينا يعد فوز الدول بجائزة نوبل مؤشر على كثافة نشاطها البحثي وتواجد أرضية خصبة للإبداع والابتكار، وغياب الدول العربية والإسلامية عن تلك القوائم مؤشر خطير على تسجيلنا نقاطاً متدنية في سباق الأمم نحو التميز والبحث العلمي. أؤمن بأن أمتنا لن تعود لمجدها إلا إذا حرصت على العمل مثل حرصها على العبادة، وسعت لبناء المختبرات ومراكز الأبحاث كما تسعى لبناء المساجد ودور العبادة.
ولعل نقاط النور ومنابر الأمل والمعرفة في الوطن العربي مثل جامعة الملك عبدلله للعلوم والتقنية «كاوست» ومؤسسة دبي لمتحف المستقبل ومختبرات سيسمي في الأردن وغيرها من الجامعات والمختبرات العلمية هي من سينجب علماء الغد ومفكري المستقبل عبر تأمينها مناخاً جاذباً وخلاقاً لمبدعي الوطن العربي والإسلامي لا لهدف الحصول على التكريم النوبلي بل للإضافة إلى المشروع الإنساني الكبير.