د. خالد محمد باطرفي
«الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود»!.. شعارات ترددها إيران منذ قيام جمهوريتها قبل ثلاثة عقود، يتضح يوما بعد يوم أنها، كما طمأن الرئيس روحاني الإدارة الأمريكية، مجرد كلام في كلام!
كشف راديو بي بي سي بالفارسية قبل أيام أن هذه الشعارات كانت فارغة حتى قبل قيام الجمهورية. فقد أظهرت دراسة قامت بها وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي أيه) عام 1980م أن آية الله خميني بعث برسالة عام 1963م إلى الحكومة الأمريكية عبر الحاج ميرزا خليل كاماراي، أستاذ في جامعة طهران، موضحا أنه لا يعارض المصالح الأمريكية في إيران، بل على العكس، يعتبر الوجود الأمريكي ضروريا لمواجهة النفوذ السوفيتي والبريطاني.
وكشفت برقيات أمريكية رفع عنها غطاء السرية مؤخرا عن اتصالات مكثفة بين الخميني وإدارة الرئيس جيمي كارتر، قبل أسابيع من قيام الثورة، حيث يرجو الحكومة الأمريكية ضمان سلامة عودته، ويقول في رسالته «ومن المستحسن أن يوصي الجيش بعدم اتباع [رئيس وزراء الشاه شابور] بختيار. وسترون أننا لسنا في حالة عداء مع الأميركيين»، متعهدا بعدم تأثر إمدادات النفط لأمريكا. ويبدو أن إدارة كارتر وثقت في وعود الخميني وضمنت نجاح الثورة وسلامته الشخصية من خلال الحيلولة دون قيام الجيش الإيراني بانقلاب عسكري.
هذه الكشوفات، إن صدقتها الجماهير الإيرانية، من شأنها أن تقوض أسطورة بناها الزعيم الروحي عبر ثلاثة عقود، تقوم على مجابهة الشيطان الأكبر … استمرت حتى المفاوضات النووية الأخيرة.» ولذا لم يكن مستغربا وصم آية الله علي خامئني لها، حتى قبل الاطلاع عليها، بأنها ملفقة.
كما شكك سياسيون إيرانيون، كإبراهيم يزدي، في صحة الوثائق، رغم أنه كأول وزير خارجية، كان يطمئن الغرب باسم الخميني، زاعما أن الجمهورية الجديدة ستكون ديمقراطية متسامحة، وليست ثورية.
وبعد أسبوعين من فرار الشاه بضغوط أمريكية، عاد الخميني منتصرا إلى طهران في 1 فبراير، 1979م، ولم يعترضه الجيش، كما وعدت أمريكا.
شهر العسل السري انتهى تدريجيا، لأن الشعب الإيراني كان يحمل ضغينة ضد أمريكا لدعمها القوي لنظام الشاه ضد شعبه. وانهارت العلاقات تماما في نوفمبر، عام 1979م، عندما قام طلاب باقتحام السفارة الأمريكية واحتجزوا 52 دبلوماسيا رهائن لـ 444 يوما.
ولكن على الرغم من لغة المواجهة على كلا الجانبين، تنقل الجارديان أن المحادثات السرية استمرت بين البلدين، ويعتقد أن الرئيس الحالي، حسن روحاني، قد شارك في المفاوضات السرية التي وافقت الولايات المتحدة على تزويد طهران سرا بالأسلحة وقطع الغيار مقابل إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين، واستمر هذا الدعم عبر إسرائيل خلال الحرب مع العراق.
يعلق قمبيز فتاحي، مراسل بي بي سي: «إن الوثائق تظهر بوضوح أن الخميني كان أقل بطولية، وأكثر خبثا من صورته لدى العامة. فمن وراء الكواليس كان يقدم الوعود والتعهدات للولايات المتحدة، ويتعاون معها ومع إسرائيل، ويوفر الحرية الدينية والحقوق المدنية والحماية للجالية اليهودية، وفي العلن يعلن العداء الشديد لأمريكا وإسرائيل واليهود.
ماذا يخبرنا هذا السلوك عن النظام الإيراني؟ لا شك أنه يفسر الكثير من مواقفها وأعمالها. فإيران ليست لها مبادئ مقدسة. الإسلام بالنسبة لهم مجرد لافتة، وزوال إسرائيل مجرد لواء، وكراهية اليهود ليست أكثر من شعار للاستهلاك الداخلي والإقليمي.
السياسة الإيرانية، رغم كل ما تتدثر به من القيم والشعارات، تقوم على البراجماتية والمصلحية، الدعاية والنفاق. كانت البلاد بحاجة إلى وحدة، وحماسة الجماهير بحاجة إلى قضية، ونيران الثورة بحاجة إلى زيت. ولذا فقد جاءوا بالشيطان الأكبر والاستكبار الدولي كخطر محدق، ووحدوا الجماهير في حرب مع العراق، وركزوا جهود الدولة على تصدير الثورة والإرهاب والطائفية. وكان هذا كله على حساب التنمية والعدالة الاجتماعية والخدمات المدنية.
اليوم نواجه نفس الدستور الذي ينص على تصدير المذهب والثورة وولاية الفقية، وبالتالي فلا تستطيع حكومة مهما تعهدت ووعدت جماهيرها والعالم، الخروج عن هذه النصوص والتوجهات. وليس للعالم بد من التعامل مع إيران، كما تعامل مع النازية والفاشية والماركسية، كأمبراطورية شر.