د. عبدالواحد الحميد
بصرف النظر عن حالات المد والجزر التي تنتاب العلاقات بين أي بلدين، فإن المصالح المشتركة بين الدول هي التي تحدد في النهاية مسارات ومآلات تلك العلاقات. هذا ما أثبته تاريخ العلاقات الدولية، حتى وإن برزت في بعض الأحيان ظروف وقتيه توحي بعكس ذلك.
وبالنسبة لعلاقات المملكة وأمريكا، فإن المصالح المشتركة بين البلدين هي التي أوجدت الأرض التي قامت عليها تلك العلاقات منذ بدايات الاستكشاف النفطي في المملكة ثم ما تلى ذلك من استخراج وتصدير للنفط وبروز المملكة كقوة عظمى في تجارة هذه المادة التي أصبحت عصب الحياة في الزمن الحديث.
وقد راجت بعض التحليلات في السنوات الأخيرة عن حالة من التغير في العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة في ظل ما حدث في صناعة النفط وتنامي دور النفط الصخري وما يُعتَقد أنه تغيرٌ بنيويٌ جذري في سوق النفط.
لكن الحقيقة أن هناك مُبالغة وخيالاً عريضاً في بعض تلك التحليلات التي كثيراً ما صنعت من «الحبة» «قُبة»، كما يقال. نعم لابد أن تطرأ ظروف ومستجدات في العلاقات بين الدول لسبب أو لآخر، وهذا حدث أيضا بين الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، ويحدث حالياً بين بعض بلدان الاتحاد الأوروبي نفسها كما هو الحال في الجدل الشعبي الدائر في بريطانيا بشأن استمراها في عضوية الاتحاد الأوروبي أو انفكاكها من تلك العضوية.
وقد جاءت زيارة ولي ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة لتنزع المصداقية من بعض التحليلات التي جنح بها الخيال إلى تصور أن العلاقة التاريخية بين المملكة وأمريكا على وشك الانهيار. فقد تجلى اهتمام المسؤولين في أمريكا بهذه الزيارة واضحاً حيث التقى الأمير محمد مع الرئيس باراك أوباما ورئيس مجلس النواب الأمريكي بول راين ووزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع أشتون كارتر ووزير الخزانة جاك لو ووزير الطاقة إيرنست مونيز ووزيرة التجارة بيني بريتزكر والعديد من رؤساء وأعضاء اللجان في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، بالإضافة إلى فعاليات مهمة أخرى من القطاع الحكومي والقطاع الخاص وفعاليات أكاديمية وفكرية وإعلامية.
وقد حملت التفاصيل التي أوردتها الصحافة العالمية الكثير من المعلومات التي تثبت أن المصالح المتبادلة بين البلدين لازالت كبيرة جداً وأن وجود هذه المصالح الضخمة يحتم على الحكومتين ليس فقط الإبقاء على العلاقات التاريخية بين البلدين وإنما تطويرها.
من هنا، فإنه من غير المستغرب أن يضع المسؤولون السعوديون على الطاولة أمام نظرائهم الأمريكيين تفاصيل البرنامج السعودي الضخم للتحول الشمولي الذي يأتي الاقتصاد كأحد مفرداته المهمة، ومن غير المستغرب أن يأتي هذا التفاعل الذي لمسه الجميع من المسؤولين الأمريكيين ومن الفعاليات الاقتصادية من القطاع الخاص مع الطروحات السعودية، وأن يقدم الأمريكيون بدورهم العديد من مبادرات التعاون في جميع المجالات.
إذن، فهي المصالح المشتركة قبل أي شيء آخر تلك التي تتحكم في مسارات العلاقات بين الدول، ولاشك بأن الذين أطلقوا العنان لخيالاتهم بشأن العلاقات بين السعودية وأمريكا في الآونة الأخيرة قد أخطأوا في قراءة ما تتوفر عليه السعودية من إمكانيات لا يمكن لبلد كأمريكا أن تفرط في أخذها في الحسبان عند تقييمها لعلاقاتها مع المملكة؛ بصرف النظر عن الحالات المعتادة من المد والجزر التي قد تحدث في علاقات الدول من حين لآخر.