سلمان بن محمد العُمري
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي مقطعاً يرصد فيه المصوّر ظاهرة توزيع المعتمرين والمصلّين للصدقات داخل الحرم، ووجود عدد من عمال النظافة يقفون في الطرقات ويستقبلون ما يقدّمه المحسنون إليهم والتعليق على أنها ظاهرة غير حميدة داخل المسجد الحرام، وكذلك الحال للمسجد النبوي، وبلا شك فإنها ظاهرة مزعجة سواء للمتسولين أو التوزيع بهذه العشوائية وهذه الظاهرة موجودة منذ مدة، وبسبب أن المتبرعين فيهم خير ويرغبون التصدّق في مكة المكرمة أو المدينة المنورة. وقد وضعوا ذلك في بالهم قبل قدومهم للزيارة أو العمرة أو الحج ولا يجدون أحداً سوى عمال النظافة لتقديم الصدقة، والمتلقون لهذه الصدقات ليسوا جميعاً من عمال النظافة بل هناك من هو متفرغ للسؤال وربما بعضهم لبس زياً مقارباً لعمال النظافة من أجل أن يتم النظر إليهم بشفقة فيحسن إليه ويعطى.
ومن الحلول والمعالجات لهذه الظاهرة التي تنشط خلال شهر رمضان المبارك، والتي تجمع بين تحقيق رغبة الناس في عمل الخير والصدقة داخل الحرم والاستفادة من شرف الزمان والمكان والتقرب إلى الله - عزَّ وجلَّ - بالصدقات وضمان وصولها لمستحقيها أن يتم الإذن بفتح أكشاك صغيرة في ساحات الحرم أو ما يحيط به، وفي الأسواق المجاورة للبيت الحرام والمسجد النبوي وتكون هذه المواقع مرخصا لها باستقبال التبرعات والصدقات والزكاة وتكون هذه الأكشاك لجمعيات البر والجمعيات الخيرية التي تعمل داخل مكة المكرمة أو خارجها، وترتب من حيث آلية استقبال التبرعات وأن يقتصر العمل فيها على المواطنين فقط، وأن يكون هناك جهة من داخل الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي لاستقبال تبرعات للعاملين المحتاجين بالحرم لمن يرغب بالتبرع والتصدق لهم حتى لا يفتح الباب لكل عامل يتسول.
ولا أحد ينكر ما تبذله قيادتنا الرشيدة الراشدة من بذل لا محدود في توسعة الحرمين الشريفين وتهيئتهما للحجاج والمعتمرين والزوار وتسخير كافة الإمكانات المادية والبشرية ليؤدي الجميع الشعائر بيسر وسهولة، ومن ذلك خدمات الصيانة والتشغيل والتعاقد مع أفضل الشركات وبعقود سخيّة لتنفيذ هذه الأعمال، وبالتالي، فإن عمال الشركات يتقاضون رواتب مجزية ومناسبة. واستمرار هذه الظاهرة (التسول) قد يوحي بأن هناك قصورا في حق هذه العمالة والتي من المؤكّد أنها تتقاضى رواتب مجزية تفوق أقرانها في مواقع أخرى، وكما أعلم ما يقوم به معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي من جهود حثيثة في تنفيذ توجيهات القيادة الرشيدة في السهر على راحة ضيوف الرحمن والعمل على معالجة كل أمر قد يعكّر ويشوّه الجهود الجبارة التي تبذل في خدمة ضيوف بيت الله الحرام والمسجد النبوي.
ولذا، فإنني أتمنى أن يتم دراسة الموضوع وبحث سبل المعالجة وأن يتم تحقيق النفع العام وتقدير رغبات الزوار والمعتمرين والحجاج في دفع الصدقات بما لا يشوّه الصورة ولا يؤدّي إلى الاستغلال وهذه الرغبات الصادقة هي امتداد لما نشاهده من آثار مباركة للوقف الذي أبقاه المسلمون من مئات السنين في مكة المكرمة والمدينة المنورة ابتغاءً للأجر والمثوبة، ولا يزال هذا الخير باقيا حتى اليوم، وهذا العمل هو الآخر محبب ومرغوب من الجميع وكلٌّ يريد أن يستفيد من الأجور المضاعفة لعمل الخير في هذه المواقع المباركة، وإن لم يجد مكان يودع فيه الصدقات والزكوات فسيضطر إلى أن يقدمها إلى العمالة أو أي متسول، ولذا فإنه من الواجب علينا أن نعين الناس على عمل الخير وأن نعينهم على أن تصل التبرعات والصدقات والزكوات لمن يستحقها.
والله ولي التوفيق..