سام الغُباري
- في اليمن مدينة اسمها «ذمار» هي هكذا.. يموت كل شيء جميل فيها، لقي شيخها البطل «عبدالكريم ذعفان» مصيره المؤسف على يد قاتل مغرور وطليق قبل أربعة أعوام، وبرغم موقف أنجاله المخجل من الإمامية السلالية والحوثية التي ظل الفقيد الكبير يقارعها بقوة وإيمان إلا أني سأظل أردد أن العِرق الحُر في صلب ذعفان لن ينتكس مهما كانت تحدياته وآلامه.
- هي الذكرى الأولى أيضاً لاستشهاد الأشخاص الأنقياء في جبل هران الذي شهد معركة التحرير الوطنية لمن كانوا يُسمون «الجنبيين» على قوى الإمامة الغادرة قبل سبعمائة عام، والذكرى السادسة والعشرين للوحدة اليمنية، وبين ذكرى الشهادة والوحدة يُبعث اسم الصحفي الكبير عبدالله قابل، ورفيقه الشهيد يوسف العيزري إلى الحياة، وتظهر إرادة الجيل الذي أنجبته الوحدة مسفوحاً على جنبات المعركة الأطهر في تاريخ اليمن القديم والمعاصر، وبدمهما العزيز تتطهر آثام الجبناء الذين بقوا في المدينة يداهنون الحوثيين ويرضخون لعارهم.
- قابل والعيزري أكثر رجولة من كل الفحول الذين كانوا يتبخترون كالدمى الفارغة في شوارع آزال، وجاء صعاليك صعدة لينزعوا شرفهم وعارهم، وكبريائهم ويقتلوا أولادهم ويلاحقونهم في كل شارع، ويقتحموا بيوتهم ويفجروا منازلهم دون أن ينبسوا ببنت شفه !.
- هي الذكرى الأولى للبكاء الذي تمزق من عينيّ، للقهر الذي جعلني أفقد أعز صديقين، وأغلى صاحبين، وأجمل حبيبين.. ذكرى الخلود الذي كان هاجس الفقيد «قابل»، وذكرى البطولة والشرف، وقد صارت هذه القيم العزيزة مفقودة بعد تفسخ جيل التفاهة وصعوده إلى الأنانية المفرطة، وفقدانه للتاريخ والقراءات المكثفة لوطن لم يتنفس يوماً إلا بجمهوريته الخالدة التي انتزعها اليمنيون من فم الظالمين.
- عبدالملك الحوثي اليوم صار آخر الظالمين، أنه عندما يموت فإن العصور الوسطى لليمن تكون قد بلغت نهايتها، إنه الجبان الذي يظهر في قنوات التلفزيون بعيداً عن معركة الحرب التي تطير فيها رؤوس رفاقه وأنصاره الحمقى، يخشى حياته المُـدللة، وهو الوحيد الذي وجّه عناصره الإجرامية باقتياد «قابل والعيزري» إلى مخزن الأسلحة في متنزه «هران» الذي تحول إلى معتقل رهيب لإخفاء الجرائم وتصفية الشهود وجعلهم دروعاً بشرية، وهناك قضى الشهيدان نحبهما، وظل قابل يُصارع الموت لأسبوع تحت أنقاض المبنى بعد انفجاره بغارة جوية من قوات التحالف العربي، ولم يتمكن أحدٌ من إنقاذه، وكانت الدود تأكل جيف الحوثيين التي قضت تحت حِمم القصف، وخرج قابل والعيزري صامتيّن، وهناك تداعى عشرات الآلاف لتوديع الشهيدين البريئين إلى مثواهما الأخير.
- من بقي في ذمار؟!، الأحرار هربوا إلى مأرب بعد هزيمة ظالمة على يد باغٍ متكبر، ومن عرش بلقيس أعادوا لسبأ ألقه، وهم على تخوم ذمار الآن بقيادة خمسة آلاف فارس ينتظرون إشارة الفتح.
- الشجعان ماتوا، ومن بقي منهم انصهر مع جيش البطولة والفداء في مأرب والجوف ونهم، يتوزعون في جبهات المعارك للمشاركة في بطولة خالدة سيذكرها العالم لألف عام مُـقبلة، معركة «فتح صنعاء»، التي ستأتيها كل القبائل والعرب من على جبالها، سيدخلونها كما دخل الصحابة مكة من أبوابها السبع، ولصنعاء سبعة أبواب أيضاً، ولجنة الله كذلك، مفتاحنا إلى النصر هو القلم المكسور على جبل هران، ولم يكن قلماً بل دمٌ وروح، دم قابل وروح العيزري، دم الشهداء الذين يقاومون في البيضاء ومأرب والجوف ونهم وأرحب، دم الخالدين الذين يُـقاتلون الخوارج البغاة، بمثل السيف الذي استلوه على أبرياء دماج ونساءهم وأطفالهم الضعفاء.
- سنعود كما يعود الحصان البري إلى موطنه وغابته، اليمن موئلنا ومصيرنا، مِلكنا وحق كل قحطاني أبيّ، وإلى النصر الذي أراه يلوح في أفق صنعاء سأجدكم يا كل أصدقائي، وسأهنئ بزيارة الشهيدين العظيمين مع كل الأسرى والمختطفين والمظلومين والأحرار والمقاتلين الذين تصدوا لهمجية الحوثيين الدامية، وفوق صنعاء بيرق النصر والسلام والمستقبل.. إني أرى صنعاء في عينيّ قابل والعيزري.. هل ترونها أيضاً؟
.. وإلى لقاء يتجدد