سعد السعود
ثمة لاعبين ليسوا كغيرهم.. مجرد كلمة في سطر.. ثم تمضي سيرتهم بمجرد رحيلهم.. بل هناك آخرون تجدهم هم النقطة التي ينتهي بها الكتاب.. ومن دونهم نحتاج أن نبحث عن مؤلف جديد لعله يصنع لنا فناً راقياً وسيناريو بارعاً كما كان يصنعه من وضع نقطة النهاية ومضى.
ومحمد نور يا سادة من النوع الثاني.. فهو من أولئك الذين برحيلهم تغرب شمس الإبداع.. وينضب معين الإمتاع.. وتغلق أستار أجمل مسارح الموهبة.. وتقطع أوتار أفضل الألحان الفنية.. ليختل توازن الأرض بعد أبو نوران.. كيف لا وقد اعتزل محورها!
قيل عنه الكثير والكثير.. وهو يستحق حتى لو كان البحر هو حبر الإشادة.. وكانت الجواهر لنقط الكلمات أشبه بالقلادة.. فلم يره مدرب إلا وأنشد فيه قصائد المديح.. ولم يلعب ضده لاعب إلا وتمناه لاعباً في كتيبة فريقه تصريحاً وليس بالتلميح.. ولم يتابعه مقدم إلا وأمطره ببرنامجه بعبارات الثناء بأجمل مفردات الفصيح.. ولم يشاهده محلل إلا لقال لمن دونه: استريح.
فكم هي غزيرة الكلمات التي قيلت فيه وما زالت.. فقد تعالت سحب المقولات عنه وأمطرت.. ولعلي أجد أبلغ ما قيل فيه هي عبارة للهولندي فاندرليم مدرب المنتخب الأسبق حينما قال عن محمد نور: (عين المدرب ورئة الفريق).. ما أجمله من وصف وما أوجزه.. وكأني بالهولندي يصف الأسطورة الاتحادية بأنه مدرب ولاعب في آن واحد.. فهو مدرب بالفريق داخل الميدان ينقل توجيهات الفنيين خارجه ليكون أشبه بعين للمدرب.. وهو بما يقدمه داخل المستطيل الأخضر من قتالية وروح وعطاء أشبه بالرئة التي لا تتوقف عن التنفس عندما يلعب.
وبظني فلم ولن يكتب لاعب قصة أجمل من قصة ابن مكة.. فقد واجهته الصعوبات ولم يأبه بها.. وحاصرته المنغصات فتجاوزها.. ليحصد من البطولات أثمنها.. فهو بطل آسيا مع فريقه لمرتين.. وبطل الدوري لسبع مرات.. فضلاً عن البطولات العربية والكؤوس المحلية.. وحتى عندما قلب له بعض المسؤولين الاتحاديين ظهر المجن غادر للنصر فصافحوا الدوري بعد سنين.
وبعيداً عن مداعبة الكرة فإن مواقفه الاجتماعية رائعة بروعة موهبته.. فقد ذكر من حوله العديد من المواقف الإنسانية منه لأبناء حارته.. وحتى رياضياً فقد كان يشارك بكل مناسبة خيرية.. بل أنه حتى أبناء منطقة مدينته مكة لاعبي فريق الوحدة لم ينسهم رياضياً.. فقدم لأكثر من مرة مكافآت مالية للفئات السنية.. فهل أحتاج بعد كل هذا لأنثر في سيرته الورود؟!
أخيراً.. يبقى نور من القلائل الذين آمن بموهبتهم المنافسون قبل المحبين.. اقرأوا فقط ما قيل بعد إعلانه الاعتزال من مختلف الأطياف والانتماءات.. أمعنوا النظر فيما كُتب بالتغريدات والمقالات.. وخذوا جولة في البرامج والفضائيات.. لتدركوا أن الراحل مختلف بكل المقاييس.. ولتعلموا أن المغادر معدن أثمن من النفيس.. وأن يوم رحيله كان لمحبي المبدعين يوماً تعيساً بكل التضاريس.. وداعاً محمد نور.. وداعاً.. نقطة فقد خفت السطوع وانتهت كل السطور.
آخر سطر
«كل الشكر والتقدير لما قدمه محمد نور أحد أفضل اللاعبين في تاريخ الكرة السعودية.. وفقك الله في مشوارك القادم أينما كان».
> الأمير عبدالله بن مساعد رئيس الهيئة العامة للرياضة