عبدالعزيز السماري
حان الوقت للتوقف طويلاً أمام موضوع علاقة الفكر الديني بالحوادث الشنيعة في المجتمع، والتي كان آخرها جريمة الحمراء البشعة، والتي كانت بمثابة الصدمة المفجعة للمواطنين، واستنكرها الجميع دون استثناء، وستظل علامات الاستفهام معلقة عالياً في سماء عقولنا، ما لم نضع النقاط على الحروف فيما يحدث، ثم الإجابة بشكل واضح عن مختلف الأسئلة.
بصريح العبارة، هل الموروث الديني مسؤول عما يحدث في بلادنا من جرائم مروعة؟، وهل يوجد فقه للقتل العشوائي في كتب التراث، ويتناول حق إصدار أحكام القتل للأفراد أو الجماعات الإسلامية لقتل من يعتقدون أنه منافق، أو خارج عن الدين، أو مخالف للجماعة المؤمنة التي تسعى لإقامة دولة المؤمنين الخاصة بهم.
وقبل ذلك علينا أن ندرك أن الحوار المعاصر ليس حول الإسلام النقي، والذي نزل على سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والتسليم، ولكن حول أولئك الذين أسسوا في أزمنة لاحقة لفقه عدواني، ومخالف للفطرة ولنزعة السلام التي جاء بها الدين الحنيف، ويعطي الابن والأب والقريب حق إصدار الحكم القضائي، وحق تنفيذ حكم القتل في والده أو ابنه أو قريبه أو غيرهم.
تتكرر جملة «يستتاب وإلا قُتل» كثيراً في كتب التراث، وأكدها بعض الفقهاء وعلماء الدين في فتاويهم الكثيرة، ويوجد أمثلة كثيرة على استخدام حكم القتل للمخالف في أمور ثانوية، مثل من جهر بنية الصلاة معتقداً أنه واجب يستتاب وإلا قتل، ومن قال على المسافر أن يصلي أربعاً يستتاب وإلا قتل، وغيرها الكثير مما لا تتسع هذه العجالة لذكره.
استخدام لفظ القتل على وجه العموم في الفتاوي للناس أوصلنا إلى هذه الحالة، وأدخل المجتمع إلى الهاوية، وزاد من وحشية هذه اللغة الدينية دخول السياسة على الخط، فصارت أحكام القتل تصدر من الأنفاق، ويتم توجيهها إلى المراهقين على أنها حكم الله عز وجل، لتنفيذها في عائلاتهم، وسنواجه في المستقبل صعوبات أكبر، ما لم نبدأ معالجة القضية بأساليب أكثر تطوراً ونفعاً.
أزمتنا الحالية أن التيار الديني بمختلف توجهاته يتداخل في القضية على وجه العموم وبخطاب عاطفي صرف، ولكن بأسلوب غير علمي، فهو يتهرب من مواجهة كشف فقه أحكام القتل في الموروث الديني أو نقدها، لذلك لا يمكن على سبيل المثال أن ينتقد أياً منهم أحكام القتل التي تنتشر في كتب التراث، ومنسوبة لعلماء في حجم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من الفقهاء في مختلف المذاهب.
أزمتنا الحالية أننا نستخدم الأسلوب الانتقائي في معالجة هذه القضايا، إذ لا يمكن أن نعالجها بالتي هي الداء، ولهذا السبب لا يمكن أن نعالج قضية التطرف الديني بخطاب ديني مماثل، والسبب أن الاختلاف في الدين، لا يقبل مبدأ الرأي والرأي الآخر، ولكن يلجأ إلى الاقتتال لحسم المعركة مع الطرف الآخر، ولهذا السبب سنستمر في أن نعيش في دوامة الاقتتال المستمر، ما لم نقرر الخروج منها بإرادتنا..
لن تخرج الحلول الناجحة إلا من معادلة واحدة لا غير، وهي نقل المجتمع من حال إلى حال، وذلك بتفعيل آلية التطور في مختلف المجالات، ثم تحويل المجتمع إلى ورشة عمل، كما يطرحها برنامج التحول الوطني في بعض أوجهه، لكنه ما زال يفتقد إلى خطة تأسيس المشاريع العملاقة مثل أرامكو وسابك، والتي كانت النموذج الذي يجب أن نعيد إنتاجه مراراً وتكراراً في مختلف الجهات، وذلك من أجل أهداف عديدة، من أهمها إخراج عقول الشباب من سيطرة الفكر الديني الدموي إلى ثقافة العمل..
في هذا العصر تحتاج الدولة إلى خبراء أفذاذ في الاقتصاد والصناعة، وقبل ذلك في علوم الإدارة، وفي محاربة الفساد، والأهم أن نتخلى عن فوقيتنا وتعالينا عند مواجهة الأخطار، وأن نتعلم كيف ننحني أمام الحاجة الملحة للوطن، ولكن إذا قررنا أن تأتي الحلول من خانة رجال الدين، فأبشر رعاك الله بمستقبل أكثر دموية، وأكثر فقراً وقتلاً، وربما أكثر عداءً للعالم بمختلف حضاراته، والله المستعان..