د. جاسر الحربش
أثناء متابعتي لأخبار الفلوجة عرضت الفضائية صورة للمدينة في النقطة التي ينعطف فيها نهر الفرات من الشمال الغربي نحو الجنوب الشرقي عند منطقة تسمى حي الجولان. الصورة تنقل الدمار الذي لحق بالحي وفرار سكانه إلى العراء نحو المخيمات الصحراوية. منحنى النهر ومناظر التدمير وقوافل الأطفال والنساء الهاربين ذكرتني برواية وثائقية كتبها الكاتب الأمريكي دي براون عن مجزرة تعرض لها السكان الأصليون (الهنود الحمر) ببنادق الغزاة البيض عند منحنى نهر سمي فيما بعد نهر الركبة الدامية. كنت قد قرأت الكتاب باللغة الألمانية وقد حور المترجم الألماني عنوان الكتاب إلى: ادفنوا قلبي عند منحنى النهر، بينما العنوان بالإنجليزية كان ادفنوا قلبي عند الركبة الدامية. ربما كان تحوير المترجم الألماني للعنوان رغبة منه في إثارة المشاعر لأن أكثر القراء لا يعرفون ما هي الركبة الدامية.
كتاب دي براون سرد تسجيلي لمأساة مجاميع كبيرة من الهنود الحمر كانوا محتجزين في معسكرات يراقبها الجنود البيض وصائدو الرؤوس. بعد معاناة طويلة مع الجوع والبرد والقمل والأمراض وكثرة وفيات الأطفال قرر بعض الزعماء القدامى للهنود الحمر المغامرة والخروج من معسكر الاحتجاز القسري مهما كلف الثمن. الوضع ذكرني باحتجاز أهل الفلوجة بين إرهابيي داعش مغتصبي الأعراض وجنود الجيش العراقي والحشد الشعبي صائدي الرؤوس ومرتزقة الحشد العشائري. ما أن يصل الهاربون الهنود إلى منحنى النهر إلا وتنهمر عليهم نيران البنادق وتهجم عليهم الجياد ويسقطون صرعى بالرصاص وضربات السيوف والفؤوس والمطارق. تعد مذبحة منحنى نهر الركبة الدامية من أشنع المذابح التي حلت بالهنود الحمر في تاريخ التوسع الأبيض في أمريكا. في السبعينيات من القرن الماضي أنتج فيلم بعنوان «ادفنوني عند الركبة الدامية».
(Bury me at wounded knee). صراخ أطفال الهنود الحمر واحتضان النساء للأطفال الجرحى والمنهكين من الجوع والمرض ومناظر ظفائر الشعر الهندي الطويل تبعثرها الرياح وتذروها في كل اتجاه ذكرني بنساء وأطفال الفلوجة الهاربين من الدواعش إلى معسكرات الاحتجاز في الصحراء وما حل بهم في الطريق. المنظران شديدا الشبه فيما يخص الطفل والمرأة والعجائز حين يفرون من ابتلاء إلى ابتلاء.
عندما يسقط رجل عجوز من زعماء الهنود الحمر بضربة فأس على رأسه ينظر إلى السماء ويزفر زفرته الأخيرة ويصرخ: ادفنوا قلبي عند منحنى نهر الركبة الدامية. اللهم ارحم المستضعفين من أطفال ونساء وعجائز الفلوجة.