هل المظاهر ممكن أن تغيرنا؟!
في ظل نقص وعي الإنسان وفراغه الداخلي من الثقة والقناعة ينطلق في هذه الحياة باحثًا عمَّا يرفع شأنه ويسدد نقصه، وأقصر الطرق لذلك طريق المظاهر؛ فيجتهد ليبني من الوهم مجدًا، ومن العدم بيتًا! هذا الاهتمام أوجد عقلًا جمعيًا داخل المجتمع متقارب الإمكانيات بعضه يحاكي بعضًا هدفه البناء من الوهم؛ فأصبح يجهد نفسه ويبذل المال للظهور ولو على حساب راحته. وألهبت مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما يعرف (بالسوشيال ميديا) هذا السباق المحموم، وما نشاهده في المناسبات الاجتماعية، ولعل أهمها مناسبات الزواج من إسراف وبهرجة مرده إلى هذا الخلل الموجود في أعماق النفس والضعف المنهك للثقة؛ فَفَرغ الزواج من هدفه الأسمى وأصبح الزوجان والمعنيان بالزواج عينهما على الناس أكثر من نجاح استقرار الزوجين في مستقبل كريم. إن ما يقام في حفلات الزواج لا علاقة له بهدي النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا بسعادة الزوجين ولا بمنهج العقلاء والحريصين على نواة أسرة تحلم بالسعادة والاستقرار. إن هذه العين المفتوحة على الناس ولا غير الناس هي التي حولت الزواج من بناء أسرة على أرض التيسير والسعادة إلى مجرد حفلة لبضع ساعات كلها زيف من المظاهر الكاذبة، وكأن سعادة الزوجين ومستقبل زواجهما مرهونًا بقصر أفراح باهظ الثمن، أو حضور كثيف قد لا يعرف بعضه بعضًا، أو موائد وولائم يذهب أكثرها إلى حاويات القمامة.
ما فائدة الزوجين في مستقبلهما من هذه التكاليف؟!
وماذا سيجني أهل الزواج من هذا الوقت القصير الذي انقضى في ضحيجٍ لا يُقدم ولا يؤخر؟!
هل سيُثنى عليهم بهذه التكاليف المرهِقة؟!
لم أسمع في حياتي أن تغير حال أسرة اجتماعيًا بعد حفلة زواج مُكلفة!
سينتهي حفل الزواج ويُدبر الحاضرون في همزٍ ولمزٍ وسخرية من هذه الشكليات الفارغة، وسيواجه الزوجان عناء هذه الديون والتكاليف، وستنعكس على حياتهما الزوجية بالسلب، وستعود هذه الأُسرة إلى حالتها الاجتماعية بالأمس قبل هذه الليلة المملؤة بزيف الغنى والوجاهة الكاذبة! ألا يُوجد بين هذه الأسر المسكينة رجل رشيد يوقظ عقل أسرته المغيب خلف الوهم وخدعة المكانة الاجتماعية التي أذهبت الأموال وسلبت الراحة والسعادة والاستقرار من الحياة الزوحية.
ألم نستفد من تجربة الزواج المبسط في كورونا وكيف كان مريحًا للزوجين وعائلتهما والحضور.
أنترك حديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: «أعظم النكاح بركة أيسره مئونة»
ونحاكي واقعًا غير واقعنا يذهب ببركة الزواج وهدفه الحقيقي!
حتى الميسورين من الناس لا يجب أن يحولوا الزواج إلى ليلة إسراف وابتعاد عن منهج الله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}، بل على الأغنياء وأصحاب المكانة الاجتماعية أن يكونوا قدوة وينبذوا هذه العادات التي أصبحت عائقًا أمام زواج كثير من الناس، وعلى المصلحين وأهل الفكر ومؤسسات المجتمع وبالأخص الإعلام أن يقوم بدوره تجاه هذه العادات التي تضرب في استقرار المجتمع وترابطه.