الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
المخدرات بأنواعها خطيرة وجريمة في حق الدين والوطن، وأضرارها على الأسرة والمجتمع وخيمة، وما انتشرت المخدرات في مجتمع إلا فشت فيه الرذيلة، وغادرته الفضيلة؛ فأصبح تعاطيها وإدمانها عائقاً عن التوبة، وشاغلاً يشغل عن الله، والدار الآخرة، وهي تقود صاحبها إلى كثير من المعاصي، وكبائر الذنوب.
«الجزيرة» استطلعت رؤى عدد من المختصين في العلوم الشرعية والتربوية والطبية حول الأسباب التي تجعل الشخص يتجه للمخدرات، وسبل الوقاية من هذه السموم الخطيرة؛ فماذا قالوا؟
أسباب رئيسة
بداية يذكر الدكتور ماهر بن عبدالغني المجيدلي الحربي أستاذ الفقه والقضاء بكلية الحقوق بجامعة طيبة بالمدينة المنورة مجموعة من الأسباب لتعاطي المخدرات.
السبب الأول: ضعف الوازع الديني، وعدم الخوف من الله، وهذا هو السبب الرئيس في تعاطي المخدرات، إذ إن الذي يخاف من الله، ويستشعر مراقبته، وأن الله يطلع عليه، فإنه لن يتناولها، امتثالاً لاجتناب ما نهى الله عنه وزجر من إلقاء بالأنفس إلى التهلكة؛ لكن البيئة الخصبة، والمجال الرحب لزرع وشيوع المخدرات هو ضعف الوازع الإيماني، وعدم المراقبة والخوف من الله عز وجل.
السبب الثاني: مجاراة أصدقاء السوء، ورفقاء الباطل، والمجاملة لهم، وقد اتفقت الدراسات النفسية والاجتماعية التي أجريت على أسباب تعاطي المخدرات وبصفة خاصة بالنسبة للمتعاطي لأول مرة، والتي انتهت إلى أن عامل الفضول وإلحاح الأصدقاء هو أهم حافز على التجربة كأسلوب من أساليب المشاركة الوجدانية مع هؤلاء الأصدقاء، ولذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى حذرنا من اتباع أهواء المضلين فقال سبحانه وتعالى؛ {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}.
السبب الثالث: الاعتقاد بزيادة القدرة على السهر، وزيادة الإنتاج: وهو اعتقاد باطل، إذ يقع بعض الشباب فريسة لبعض الأوهام التي يروجها بعض المغرضين من ضعاف النفوس عن المخدرات وخاصة المنبهات على أنها تزيد القدرة على التحصيل والتركيز أثناء المذاكرة وهذا بلا شك وهم كاذب ولا أساس له من الصحة بل بالعكس فإن أثر المخدرات يكون سلبياً على المتعاطي لها.
السبب الرابع: إيهام المتعاطي بأنها تنسيه مشاكله، وأنها تقضي على آلامه وأوضاعه: فقد يصاب الشخص بصدمة ينتج عنها الإصابة باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، أو القلق، أو الوسواس القهري، وقد يتعرض الشخص إلى ضغوط نفسية شديدة أو معاملة قاسية من والديه أو أحدهما أو وجود الخلافات الأسرية التي يتخللها استخدام وسائل العنف وتخلو عن الحوار والنقاش بين الأسرة في معالجة المشكلات مما قد يؤدي إلى إدمان الشخص على المخدرات للهروب من المشاعر المضطربة التي يمر بها.
السبب الخامس: وفرة المال: إن توفر المال في يد بعض الشباب قد يدفعه حب الاستطلاع ورفقاء السوء إلى شراء أنواع المخدرات والمسكرات، بحثاً منهم عن المتعة الزائفة في تعاطي المخدرات.
طرق الوقاية
ويشير الدكتور ماهر الحربي إلى طرق الوقاية من الوقوع في المخدرات من خلال:
1- تعزيز الوازع الديني لدى الأبناء والتوعية بأضرار المخدرات: فيجب توعية الأبناء بضرورة الالتزام بما أمر الله عز وجل واجتناب ما نهى عنه وزجر، وتوعيتهم أيضاً بأضرار المخدرات والآثار الخطيرة التي تترتب على التعاطي حتى تصنع حاجزاً نفسياً بينه وبين المخدر وتعلمه كيفية الرفض في حالة العرض عليه.
2- امنح أبناءك الحب والثقة وعبر لهم عن حبك وامنحهم الدعم والثقة المستمر واجعل لغة الحوار والصداقة هي السائدة في المنزل، واحترم رأيهم وشجعهم على التعبير واعطهم الثقة بالبوح بمشكلاتهم والتقرب منهم.
3- عالج أي أمراض نفسية: ساعده على علاج أي اضطرابات نفسية يعاني منها مثل الاكتئاب، أو القلق، أو التوتر، أو السواس القهري أو أي أعراض ذهانية قد تؤدي إلى الإدمان.
4- لا تمنح أبناءك أموالا بكثرة: لا تكن مفرطا في منح أبنائك الأموال ولا تحرمهم أيضاً، ولكن كن رقيباً على أوجه انفاقه وسد احتياجاته بشكل مناسب.
5- وفر بيئة أسرية هادئة: وفر لهم بيئة أسرية هادئة خالية من المشاكل والمشاحنات حتى لا تكون دافعاً للهروب منها والتوجه للتعاطي، وذلك بتخصيص وقت للسفر لأداء العمرة أو للزيارة وأوقات للمرح معهم وكذلك بتخصيص وقت لقضائه مع كل ابن أو ابنة ومشاركة الأب والأم أنشطتهم المدرسية والعناية أيضاً بتنمية اهتمامات الأبناء بأنشطة إيجابية كالرياضة والرسم والبرمجة وغيرها.
6- راقب أصدقاء أبنائك: من المهم للغاية معرفة المحيط الاجتماعي بابنك والأصدقاء المحيطين به وإبعاده عن أي أشخاص يتعاطون المخدرات.
خطر جسيم
وتؤكد الدكتورة شيمة بنت إبراهيم العتيبي أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي أن ظاهرة تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية خطر جسيم يدق على أبواب المجتمعات ويدمر مستقبلها، وتعد الوقاية منه ذات اهمية كبيرة لمحاولة حماية الشباب والصغار لأنهم أساس مستقبل المجتمع من خلال العمل على نشر الوعي والتثقيف الجيد لهم، خاصة أن تعاطي المخدرات له العديد من الآثار السلبية على المحيطين بالمتعاطي والمجتمع ويأتي التعاطي كنتيجة لعدة أسباب، ومنها:
ضعف الوازع الديني، وسوء إدارة وقت الفراغ، وغياب الوعي بخطورة إدمان المخدّرات والرغبة في التجربة وحب الاستطلاع، وسوء إدارة نعمة المال وعدم رقابة الوالدين لصرف أبنائهم للمال، والبعد أو ضعف التواصل مع الأسرة، وأصدقاء السوء سواء بمحيط المجتمع أو عن بعد بوسائل التواصل الاجتماعي والتي جرفت فئة الشباب والأطفال.
مسؤولية مجتمعية
وتضيف د. شيمة العتيبي أن سبل الوقاية لمحاربة المخدرات ومروجيها لا بد أن نعلم علم اليقين أن هذه مسؤولية مجتمعية شاملة تقع أولياتها على عاتق الأسرة والمدرسة والإعلام ولا نبالغ إذا قلنا جميع مؤسسات المجتمع، ولعل الحملة الوطنية لمكافحة المخدرات التي أطلقتها مؤخراً وزارة الداخلية أتت ثمارها بتكاتف جميع مؤسسات المجتمع وأفراده وشاهدنا كميات المخدرات والأشخاص الذين تم القبض عليهم وكل ذلك جاء بتكاتف الجهود وهي جهود مشكورة تؤكد على مدى حرص قيادتنا الرشيدة في الحفاظ على أهم عناصر تكوينها وهو الإنسان السليم المنتج في وطنه؛ فالوقاية من المخدرات هي المرحلة المهمة لما تمثله من استباق قبل الوقوع بالمحظور حتى يستطيع الفرد معرفة كل ما يؤثر على عقله وحياته المستقبلية ولما تسببه المخدرات من استنزاف لصحته وماله، ومن أهم طرقها ما يلي:
1 - زيادة الوعي بمخاطر المخدّرات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
2 - زيادة الوازع الديني ومعرفة الحكمة من تحريم (الخبائث) لحماية الإنسان من ضررها.
3 - الابتعاد عن أصدقاء السوء.
4 - الحفاظ على حياة صحية.
5 - عدم التردد في التواصل مع الجهات المختصة عند الاشتباه بأي مواد تشبه العقاقير الطبية أو مشكوك فيها.
6 - توثيق وتقوية العلاقة بالوالدين والتواصل معهم حول كل ما يُشتبه به حول ما يتم في بيئة المدرسة وما يتم توزيعه.
7 - تعلّم طرقا صحية للتعامل مع الضغوط النفسية بالعودة إلى المختصين بالمدرسة والعائلة والمجتمع.
8 - وضع أهداف للمستقبل والتركيز على تحقيقها وملء وقت الفراغ بممارسة المواهب وأنواع الرياضات المحببة.
واختتمت حديثها بالتوكيد على أن المخدرات هي آفة العصر الحديث وتأثيرها السلبي لا يطول الفرد فقط بل يمتد للأسرة والمجتمع والوطن بأكمله بأمنه ورخائه ولن يتم القضاء على هذه الآفة إلا بتكاتف الجهود والعمل الدائم لتقليل نسب المتعاطين ومحاربة تجار المخدرات وتكثيف الحملات الإعلامية وإيجاد القدوات الجيدة ممن يعشقهم جيل الشباب والأطفال ونشر سلوكياتهم إعلاميا لتحقيق الهدف المنشود.
أصدقاء السوء
ويتفق الدكتور عادل بن عبدالتواب الشناوي استشاري الأمراض الصدرية بمستشفيات الحمادي بالرياض، مع الآراء السابقة في الأسباب التي قد تجعل الشخص يتجه للمخدرات، ومنها: غياب دور الأسرة، وعدم توفر جو الحوار والألفة والعطف، وبالتالي عدم توفر التربية على الأخلاق والقيم الدينية، وأصدقاء السوء؛ فالصديق السيئ يجذب من حوله للفساد، وتناول المهدئات لفترة طويلة دون إرشاد من الطبيب، وإتاحة المال للشباب؛ ممّا قد يدفعهم للتجربة، وضعف الشخصية، وعدم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وكثرة مشاهدة الأفلام التي تصوِّر المخدرات شيئا ممتعا؛ مما يجعل الشاب لديه الفضول للتجربة، وضعف الإيمان، وعدم التمسك بالدين وتعاليمه.
الجهاز التنفسي
ويضيف د.عادل الشناوي، قائلاً: هناك عدة أضرار للمخدرات على الجهاز التنفسي، ومنها: الإصابة بسرطان الرئة؛ نتيجة لضعف الجهاز المناعي للجسم، وبالتالي عدم قدرته على مواجهة الفيروسات والمواد السامة التي تدخل الجسم، وتُعد الفئة العمرية من 25: 15 هي أكثر فئة معرضة للإصابة بالسرطان؛ لأن المواد المخدرة تضعف مناعتهم، والتهاب الغشاء المُخاطي والشعب الهوائية؛ وذلك بسبب المواد الكربونية التي تحتوي عليها المخدرات، وبالتالي تترسب هذه المواد في الشعب الهوائية ممّا يؤدي لتهيجها، وحدوث التهابات مزمنة في الرئة، والتسبب في حدوث انسداد في مجرى التنفس، وحدوث انتفاخ للرئة، وبالتالي الإصابة بسرطان الرئة، وهذا بحسب بعض الدراسات، والموت المفاجئ، وذلك نتيجة لفشل الجهاز التنفسي في تأدية وظيفته، وهذا يحدث بشكل كبير مع تعاطي الأفيون والخمور والكوكايين، كذلك الحال عند استنشاق المواد الطيارة فهي تتسبب في إعاقة التنفس عن طريق ملء فراغ الرئتين بالمواد السامة؛ مما يتسبب في الوفاة، كما يوجد كثير من المواد المخدرة التي تعمل على إعاقة عمل الجهاز التنفسي وجعله خاملاً لا يستطيع القيام بوظائفه الأساسية في الجسم، مما يظهر أضرار المخدرات في أنها تؤدي إلى الإصابة الخطيرة بأمراض الجهاز التنفسي التي تؤدي إلى الوفاة بشكل سريع، ومن هذه المواد المخدرة الأمفيتامينات.
وقاية وتوصيات
وللوقاية من المخدرات -والحديث للشناوي- طرق متعددة، وذلك وفق الآتي:
1 - لا شيء يعين المرء على تحقيق مآربه إلا بالإيمان فمن تسلح بها نجح ومن سار على الجادة وصل وأن يكون كل قصده هو التقرب إلى الله بترك محرماته، وزرع الوازع الديني لدى الأطفال في الصغر.
2 - على المتعاطي أن يتذكر كلما عزم على أخذ المخدر أن مخدره هذا سيزيد مشكلاته تعقيداً.
3 - كتابة أخطار تعاطي هذه المحرمات بخط واضح ووضعها في مكان بارز، وقراءتها بين آونة وأخرى حتى تتجدد العزيمة.
4 - ملاحظة الحالة الصحية وتطورها، وعدم التذمر عند الشعور بآلام الرأس والعضلات، فعليه بالارتياح كون هذه الآلام إشارة إلى تخلص أعضاء الجسم مما تراكم فيها من السموم.
5 - مزاولة الرياضة بالشكل السليم.
6- الانقطاع عن الأماكن التي اعتاد أن يتناول فيها تلك المواد، وكذلك الأصحاب الذين يتعاطونها.
7 - إشغال وقت الفراغ بما ينفع في الدنيا والآخرة.
8 - عقد صداقة دائمة مع الأبناء.
9 - زرع الثقة المتبادلة بين الأهل والأبناء وتوطيد العلاقة القوية بينهم.
ويختتم د. عادل الشناوي بتقديم عدد من التوصيات، ومنها: كن حذراً وساعد نفسك والآخرين، حيث يؤكد تقرير لجنة الأمم المتحدة بأن تعاطي المخدرات وإدمانها لا يعتمد فقط على عوامل اجتماعية أو اقتصادية وإنما يعود إلى أن المدمن له شخصية غير سوية تسعى لتلبية حاجاتها دون تمهل أو تبصر أو اكتراث بما يترتب على هذا السلوك، وكن متمسكاً بالدين الحنيف وتذكر قوله تعالى: (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، وكن حريصاً في اختيار أصدقائك ومعارفك ولا تقدم على التجربة؛ فمجرد البداية قد تعني الإدمان، وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، وأطلب مشورة الأسرة والأهل والحكماء عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.