بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم، أنَّ السَّعْيَ في إفسادِ البيئةِ، وإلحاقَ الضَّرَرِ بالأماكنِ العَامَّةِ والحدائِقِ وغيرِهَا من المرَافِقِ، دَاءٌ عُضَالٌ، لا يَتَلَبَّسُ بهِ إلا مَنْ فَسَدَ ذَوْقُهُ، وسَاءَتْ سَرِيرَتُهُ، وتَجرّدَ مِنْ أَبْسَطِ قَوَاعِدِ الذَّوْقِ العَام، كما أنَّ مواسمَ الأمطارِ في بِلادِنَا، هي أَسْبَاب رحمة، ومواسمُ خيرٍ وبركةٍ، وإحسانٌ منَ اللهِ عزَّ وجلَّ لعبادِهِ، يكثُرُ خروجُ النَّاسِ فيها إلى الْبَرَارِي وَالْوِدْيَان، ومِنَ الْوَاجِبِ على المُسْلِمِ في تلكَ الرِّحَلاتِ، الحفاظُ على البيئةِ الطبيعيَّةِ، والحذر من إفسادِهَا، أو العبثِ بهَا، بِقَطْعِ الأشجارِ، أو إِفْسَادِ النَّبَاتِ، قالَ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَطَعَ سِدْرةً صوَّبَ اللهُ رَأْسَهُ فِي النّارِ) أخرجه أبو داود (5239) وحسّنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح (3-201).
وشدد الدكتور عبدالله الطيار في حديثه لـ»الجزيرة» على وجوب تنزيهِ البيئةِ عن المُخَلَّفَاتِ، فالنظافَةُ أصلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وأَقَلّ مَا يَجِبُ على الإنسانِ أنْ يَتْرُكَ المكانَ كَمَا كانَ، والْكَمَالُ أنْ يَتْرُكَ المكانَ أَفْضَلَ مِمَّا كَانَ، كما أن من الواجباتِ أيضًا: الحذرَ من إشعالِ النِّيرَان في أمَاكِنِ المتنزِّهِينَ، وتعرِيضِهِمْ للخَطَرِ، أو إيذائِهِمْ بِهَا، والحرصِ على إخْمَادِ النِّيران في الأماكِنِ المسموحِ فيهَا بإشعالِ النَّارِ، مع مراعاة الأنظمَةِ البيئِيَّةِ، وقواعد الدِّفَاع المدنِيِّ، واتِّبَاع توجيهات القائِمِينَ على هذا الأمرِ، والتي تُحَقِّقُ المصلحةَ العامَّةَ للجميعِ، وتَضْمَنُ سَلامَتَهُمْ.
وقال الدكتور عبدالله الطيار مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم: إن الخروج إلى البرارِي والمتنزهات مُحَبَّبٌ للنفسِ، وسَبَيلٌ للأُنْسِ، فقد سُئِلت عائشة رضي الله عنها عن البَداوَةِ فقالتْ: (كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَبْدو إلى هذه التِّلاعِ..) أخرجه أبو داود (2478) وصححه الألباني في صحيح الجامع (4893) والتلاعُ: مجرى الماء من أعلى الوادي إلى أسفلِهِ، وهذا الخروجُ؛ لتنشيطِ النَّفْسِ، وتصفيةِ الذِّهْنِ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ اليُسْرِ والسَّمَاحَةِ وَالفُسْحَةِ والسَمَاحَةِ في دينِنَا الحنيفِ قالَ صلى الله عليه وسلم: (خُذُوا يا بَنِي أرْفِدَةَ حتى تَعْلَمَ اليهودُ والنَّصَارى أنّ في دِينِنا فُسحةً) أخرجه أحمد (24855) والحميدي في المسند (254) وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (1829) صحيح بمجموع طرقه، مشيراً إلى أن البيئةُ نِعْمَةٌ وَهِبَةٌ هَيَّأَهَا اللهُ عزَّ وجلَّ وسخَّرَهَا للإِنْسَانِ، قالَ تعالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (فاطر: 27) وأفاءَ اللهُ عزّ وجلّ عَلى عبادِهِ بآلاءِ الطبيعةِ وبَهَائِهَا، والبَرَارِي ونَقَائِهَا قالَ سُبْحَانَهُ: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} (ق: 7-8).
وأوضح الدكتور عبدالله الطيار على أنّ نُصُوصَ القرآنِ والسُّنَّةِ قدْ تَعَاضَدَتْ في وجُوبِ الحفاظِ على تِلْكَ النِّعْمَة، وإِحَاطَتِهَا بالعِنَايَةِ واسْتِدَامَتِهَا بِالشُّكْرِ وَالرِّعَايَةِ، وَصِيَانَتِهَا عنْ كلِّ مَا يَذْهَبُ بِجَمَالِهَا، أوْ يَضُرُّ بِبِنَائِهَا، والتحذيرِ من العبثِ بِهَا والإفسادِ فيهَا، قالَ تعالى: {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (البقرة: 60) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ..) أخرجه مسلم: (35) وقال أيضًا: (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ) قالوا: وَما اللَّعَّانَانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: (الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ في ظِلِّهِمْ) أخرجه مسلم (269).
وسأل في ختام حديثه أن يحَفِظَ عَلَى بلادِنا أَمْنهَا وَإِيمَانها، وعِزَّهَا وَرَخَاءَهَا.
** **
- د. عبدالله الطيار