هل ننتظر الفرصة تأتي لنا لكي نبدأ العمل أو نقوم نحن بصناعة هذه الفرصة وبالتالي نستطيع العمل عليها؟ هذا التساؤل هو محل نقاش بين كثير من الأشخاص والمفكرين وأصحاب الرأي، بل إنه مكان جدل بين الراكنين اليائسين والعاملين، بين المبدعين والمتميزين والمحبطين، بين أصحاب الطموحات وأصحاب الإحباطات، بين المتفائلين والمتشائمين، فهذه القضية مرتبطة ارتباطاً كلياً بالإرادة والتغيير أو الاقتناع بالتغيير. فالخيار بين مسارات النهوض أو الخنوع والاستسلام للظروف جعلتني أطرح هذا التساؤل مع الأشخاص الناجحين والشخصيات التي استطاعت أن تضع لها تاريخًا في سرديات الخالدين ومعلماً في جغرافية العقول، وجعلتني أبحث في صفحات الأشخاص الذين جعلوا من أنفسهم إيقونات للنجاح ومنهجًا للإلهام، فهذه الشخصيات تعمل على إستراتيجيات وتكتيكيات ذات أبعاد متعددة، وهي تكمن في أولاً: الإيمان بأن ليس هناك عمل صعب بل إن الصعب أن لا نفكر بعمل بمعنى الإصرار والرؤية والعمل الدؤوب لتحقيق الهدف، فلا مجال للوصل إلى الهدف دون عمل ولا مجال للحلم دون عمل، ولا مجال للنجاح دون عمل، إذن العمل هو الوسيلة لتحقيق فرصة النجاح، والشواهد على مثل هذا الأمر كثيرة وقصص نجاح الدول وشخصياتها مثيرة ومبهرة، فمن تجربة سنغافورة الاقتصادية وتجربة مانديلا السياسية في جنوب إفريقيا كذلك على المستوى الاقتصادي قصة نجاح ستيف جوبز وآبل، فالقاسم المشترك بين كل هؤلاء النجاحين هو العمل الدؤوب والمستمر وعدم انتظار الفرصة للنهوض أو التغيير وإنما العمل على بنائها واستثمارها, الأمر الثاني وهو امتداد للأمر الأول: الجاهزية، فسواء كانت الفرصة سوف تأتي أو نحن من نصنعها فلابد أن نكون جاهزين، فلا انتصار دون جاهزية، ولا نجاح دون جاهزية واستعداد سواء كان هذا الاستعداد علميًا أو مهارياً أو فكرياً أو اقتصادياً، وخلف كل ذلك الإرادة، فعلى سبيل المثال تقوم المملكة العربية السعودية باستثمار الفرص الاقتصادية الواعدة والتي كانت موجودة في السابق من خلال تطويرها والنهوض بها والجاهزية للعمل عليها والاستعداد لاقتناصها أن الناجحين ومستثمري الفرص يعلمون أن الجاهزية هي سر نجاح الفرص وسر انتعاشها وديمومتها، الأمر الثالث أن صناعة الفرص قائم على النهايات في عقلية الناجحين، فالناجحون لا يصنعون الفرص إلا بعد أن يرسموا النهايات في أذهانهم ويحتفلون بالنجاح في عقليتاهم ويعلمون مخاطرة أعمالهمويكونون مستعدين لذلك، ويكون طرق صناعة الفرص واستثمارها أمرًا في غاية الصعوبة والألم المصحوب بالأمل والتفاؤل العالي والهمة الجبارة، فصعود سلم النجاح يحتاج إلى المثابرة في صناعة الفرص وتحقيق النهايات المرسوم في أذهان أصحابها، كل ذلك يؤمن بها أصحاب الناجحات في قلوبهم وأفكارهم، الأمر الأخير في اعتقادي هو التركيز على صناعة الفرص أكثر من التركيز على انتظارها، ففي صناعتها تكون جاهزيتاها وأركانها ومقوماتها مطابقة مع أهداف صانعيها ومستثمريها ويكون فرصة استدامتها أكثر بكثير من تلك التي يتم انتظارها لأن في انتظار الفرص ضياع للوقت وعدم مرونة للتحرك وقتل للإرادة وقد تضيع ولا يكون لها أثر مستدام، فكثير من الأشخاص ينتظرون الفرصة أن تأتيهم وتنتشلهم من مستنقع الخمول والضعف والتشتت إلى قمة الإبداع، وهذا لن يكون حتى وإن حدث هذا الأمر للبعض فهي ليست قاعدة ممكن أن يبنى عليها آمالنا وطموحتنا وإرداتنا.