تعد المملكة العربية السعودية من أبرز دول العالم التي تدعو دائماً في المحافل الدولية والمؤتمرات العالمية إلى السلام وتأكيد لغة الحوار والتفاهم والتواصل بين شعوب العالم ونبذ التطرف والإرهاب وكل ما يزعزع كيان الأمة الإسلامية أو يؤثّر على الوحدة العربية والخليجية أو يهدد استقرار أمن وسلامة دول العالم.
وهذا يؤكد على مكانة المملكة العربية السعودية بين دول العالم، وما تتمتع به من مقومات حضارية تستمد قوتها من تشريعات ومصادر الوحي الإلهية (القرآن الكريم، والسنة النبوية)، لذلك فهي تعيش على ثوابت راسخة ومبادئ متينة. كما أن قيادة المملكة العربية السعودية تحرص دائماً وأبداً على الأمن والسلام ويتجلى ذلك من خلال دعوة المملكة إلى الحوار والتفاهم على أرض المملكة بين أطراف النزاع في بعض دول العالم وحل الخلافات بينهم والخروج بقرار يخدم أطراف النزاع ويحقق لهم مصالحهم المشتركة.
ومن خلال الرؤية الوطنية 2030 التي أعلنت عنها حكومة خادم الحرمين الشريفين فإن المملكة ستحقق الكثير من المنافع لدول العالم، وستكون بلاد الحرمين وجهة عالمية لملايين البشر من كافة دول العالم من خلال المنجزات الحضارية والتنموية التي تعمل على إنجازها لتسهم بشكل فعّال في تكوين بيئة متنوعة تعزز التواصل الحضاري والحوار الثقافي بين بلدان العالم.
إن تعزيز التواصل الحضاري مع المجتمعات بمختلف أطيافها ومذاهبها الدينية أمر تحتمه الحياة الاجتماعية التي نحن جزء منها. وبما أن هذا الكون يوجد فيه قبائل وشعوب كان لا بد من التعارف بينهم والتعايش معهم حتى وإن اختلفت مذاهبهم الدينية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، إذاً المبدأ هو التعارف بين الناس وليس الكراهية، ولذا فإن الحضارة الإسلامية تنطلق من أصول راسخة في هذا التواصل الحضاري والتعايش العالمي.
إن الحوار الإسلامي يتطلب منا نحن المسلمين المشاركة الإيجابية والتضامن والاندماج مع الآخرين من مختلف الأديان والثقافات، فالمبادئ الإسلامية تؤكد على الحوار الذي ينبثق منه التقدير والاحترام للثقافات والمجتمعات الأخرى وعدم السخرية والاحتقار لهم، والمحافظة على السلوك الإنساني من خلال هذا النسيج الإسلامي المبني على حسن التعامل والتزام حدود الأدب مع الأفراد والمجتمعات.
إن تعزيز التواصل الحضاري وتشجيع العمل على تفعيله يتوافق مع إستراتيجية منطقة عسير والتي تؤكد على أن تكون منطقة عسير وجهة عالمية وتستقبل الملايين من الزائرين والسياح للمنطقة، وهذا سيسهم في تمكين أهالي المنطقة من التواصل الحضاري مع الآخرين وتعزيز لغة التفاهم والحوار المشترك.
لذا فإن على القائمين على التعليم في المدارس والجامعات دور مهم في تعزيز ذلك من خلال الموضوعات التي تتطرق إلى التواصل الحضاري وتدعيم ذلك من خلال طرح أسئلة للطلاب عن التواصل الحضاري وأهميته بين المجتمعات ومناقشة قضايا ترتبط بأمن المجتمعات وسلامتهم وكيف يمكن نشر المحبة والوئام بين الناس على مختلف ثقافاتهم ودياناتهم، وتحفيز الطلاب إلى كتابة مقالات عن أهمية التواصل الحضاري وثمرات ذلك على الأفراد والمجتمعات وعرض نماذج عن الحوار الثقافي والتواصل الحضاري لبعض الباحثين والمتخصصين في ذلك، والاستشهاد ببعض المواقف والتجارب في السيرة النبوية عن أثر وقيمة الحوار والتواصل بين الشعوب.
إن تدريب الطلاب والطالبات من خلال المقررات الدراسية على المهارات الأساسية في الحوار مع الحضارات الأخرى سيسهم في نشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي، ويجب أن يستفيد المتعلم من الحضارات الأخرى بما فيها من معارف وفنون وثقافات ليحصل التكامل والتقارب بين هذه الحضارات.
إن التواصل الحضاري والتعايش العالمي مع الثقافات الأخرى ليس بذخاً اجتماعياً أو ترفيهاً سياحياً، بل هو ضرورة لتعيش المجتمعات بأمن وسلام، ونبذ العصبية والعنصرية التي أهلكت المجتمعات، وبيان سماحة الإسلام وأن الحضارة الإسلامية تهتم ببناء الإنسان واحترامه والسعي إلى مد جسور التواصل مع الثقافات الأخرى.
ووفقاً لرؤية المملكة 2030 التي ركزت على عدد من المحاور ومن ضمنها محور (مجتمع حيوي) والمقصود أن المملكة العربية السعودية تفخر بأمرين مهمين مما يجعلها أمة استثنائية وهما الدين الإسلامي والوحدة الوطنية، فالمملكة العربية السعودية نواة العالم العربي والإسلامي وهي تمثل قلب الإسلام، ولذا فإن الدولة وفقها الله تحرص من خلال المناهج التعليمية والمقررات الدراسية إلى إكساب الطلاب المعرفة الشاملة وتنمية مفهوم الاعتدال والوسطية واحترام ثقافات الشعوب وهذا كله سيؤدي إلى تعميق لغة الحوار وتعزيز التواصل، فمن خلال التنمية الشاملة التي تعيشها المملكة في عصرنا الحالي سيتحقق الكثير من العائد الاقتصادي والتطور العلمي والصحي مما يدعو الكثير من بلدان العالم لزيارة المملكة العربية السعودية.
وما ترشيح المملكة العربية السعودية باستضافتها للحدث العالمي (الرياض، إكسبو 2030)، وفوزها بذلك إلا تتويجاً لمكانتها المميزة بين دول العالم، وثقة دول العالم بقدرة المملكة على التنظيم وتوفير البيئة الآمنة ومتانة الاقتصادي السعودي بالإضافة إلى ما تشهده المملكة من تنمية شاملة ومتنوعة في شتى المجالات.
كما أن المملكة العربية السعودية تهدف إلى إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضتي الحج والعمرة على أكمل وجه من خلال تهيئة الحرمين الشريفين، وتحقيق رسالة الإسلام العالمية، وتهيئة المواقع السياحية والثقافية، وإتاحة أفضل الخدمات قبل وأثناء وبعد زيارة الحجيج لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة، وعكس الصورة المشرِّفة والحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن.
ومن المشاريع المميزة في المملكة العربية السعودية والتي تدعم برامج التواصل الحضاري، مشروع سلام للتواصل الحضاري التابع لمركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري، والذي يعد نافذة مهمة للشباب لتحقيق التواصل الحضاري مع دول وشعوب العالم من خلال البرامج والأنشطة التي يقوم على تنفيذها، ويعقد المشروع عدداً من البرامج التي يمكن تحفيز الطلاب والطالبات للالتحاق بها والتسجيل فيها لممارسة المهارات المعنية بالحوار والتواصل وتدريبهم على طرق المشاركة والتفاعل مع الآخرين، ويهدف مشروع سلام للتواصل الحضاري إلى تحقيق مرتكزات رؤية المملكة 2030م، والتي يأتي من ضمنها (مجتمع حيوي/ وطن طموح)، ودعم الجهود الدولية للتواصل الحضاري بين الدول وتعزيز القيم الإنسانية والمشاركة الإيجابية في تحسين الصورة الذهنية للمملكة العربية السعودية، ولذا فإنه يمكن دعم الشباب للالتحاق بمشروع سلام والاستفادة من اللقاءات والبرامج السنوية التي يعقدها.