الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
من الأعراض الشائعة التي يمر بها جميع الناس في لحظاتٍ معينة، الشعور بضيق الصدر نتيجة مواقف حصلت للإنسان مما يحدث تعكّراً في المزاج العام، وعدم الرغبة في فعل شيء أو قول أي شيء، ويشعر الشّخص المصاب بهذا الضيق أنّ الدنيا كلها ضاقت عليه، ولم تعد تتسع لهمومه.
«الجزيرة» التقت عدداً من المختصين في العلوم الشرعية والنفسية والطبية لاستطلاع رؤاهم حول الأسباب والحلول الكفيلة لمعالجة تلك المشكلة قبل استفحالها وتفاقمها مما قد تتسبب في أمراض صحية ونفسية، وتعرضه لمواقف خطيرة في نفسه ومجتمعه؛ فماذا قالوا:
مراجعة النفس
يؤكد الدكتور صالح بن عبدالعزيز التويجري أستاذ العقيدة بجامعة القصيم أن إرجاع الناس إلى المنابع الأصلية الكتاب والسنة، وهدي السلف دائم، وهو العلاج في كتابه إغاثة اللهفان، أوفي طريق الهجرتين، أو الإمام بالرجب في جامع العلوم، والحكم في شرح الأحاديث يعني الأوراد الشرعية في ما يذهب الهم والحزن، وأيضاً الاعتراف بالجانب الفطري، إن الإنسان يحزن ويهتم، ولكن مأمور بالمدافعة، لكن منهي عن اجترار الهم والحزن، ولذلك في المآتم والمآسي لا ينبغي أن يجعل الإنسان ذكره ما يحط يوم ذكرى وفاة فلان، أو ذكرى حادث فلان، وكل فترة يقول وهذا اليوم الذي مات فيه قريب تجديد الأحزان، لاينبغي أن يعيدها.
وهناك قضية المعاصي أحياناً توجد ابتلاءات بسبب المعاصي، والعلاج في التوبة، والرجوع إلى الله، والانكسار، وفعل الطاعات {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} كل هذا بالاستغفار، فالناس يشكون ضيق الحال، وتمرد الأولاد، وبعض التكاليف الباهظة، وبعض التجاوزات، هذا كله يحتاج منا مراجعة لأنفسنا، قبل أن نراجع الواقع نراجع أنفسنا؛ فلابد من التضرع إلى الله والاستكانة إليه، والانكسار والاعتراف والتوبة.
فالله يحب التوابين، ويحب المستغفرين، ويحب الملحين، الأمر الآخر الإنهماك في العمل، لأن الانحباس في بعض الأحلام غير الواقعية أو الظنون الوهمية أو التشاؤم من المستقبل، أوتجميع الهموم والغموم، هذه مدعاة للقعود، والكسل، والخمول، والتقوقع، والاكتئاب، بينما إذا انهمك الإنسان في عمله، واستغرق الإنسان فيه ما بقي عنده للأفكار والوساوس.
الأمر الآخر يغير البيئة، بمعنى يكون عند الإنسان بيئة استراحة كلهم متشائمون وأهل إسقاط وتعليقات، وإذا أتوا جابوا الأسعار والضرائب والغرامات، وضيقوا الصدر وبالفواتير، وعليهم البعد والابتعاد عما يضيق الصدور ويكدر عليها، ونصبرهم توكل على الله ونحتسب ونفعل الأسباب وإلا غير، أو زر بيئات، تغسل هذا الدرن بزيارة المتفائلين، الصابرين المحتسبين، افتح كتاب رب العالمين، وانظر ما فيه من جزاء، والأمر الآخر عدم الاستسلام للشائعات التي تقال عبر الإنترنت، وفي وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر، والواتس أب، والفيس بوك، وغيرها؛ فأحياناً تظهر شائعات كاذبة عن أمراض معينة، عن أسعار معينة، عن أطعمة متسممة عن ملابس، عن غش في سيارات، وهكذا.
والشائعات تقتل من استسلم لها إذا وضعت في حلقك، فمن هو الإنسان الذي سيتحمل كل يوم، ومن هذه الأدوية، فأنا أقول ابتعد عن الارتباط بالشائعات من خلال مواقع التواصل.
الأمر الآخر احرص على أن تقرأ في سير الصابرين في عدة الصابرين، وذخيرة الشاكرين اللي بنا بالدنيا أو بالقيم، وكذلك القراءة، القراءة في كتاب المبتلون ابتلي الأنبياء والصالحون، ويبتلى المؤمن في نفسه وفي أولاده لتبلون في أنفسكم، وفي أموالكم، ولا تسمعون من الذين في كتاب من قبلكم، ومن الذين أشركوا، فقد يبتلى الإنسان بعدو، يبتلى بجار سوء، يبتلى بولد متمرد ببنت قليلة الحياء، اقرأوا به صور الابتلاء، وأحوال الصابرين، والمبتليين، تجدون قدوة.
افزع إلى الصلاة، كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، واستعينوا بالصبر والصلاة، الاستعانة بالصبر والصلاة، هذه تعين الإنسان على تحمل الملمات، ويعني استقبالها والصبر عليها، والاحتساب، فعلينا wأن نصبر ونحتسب، وأيضاً نهني أنفسنا بما عندنا من النعم، عدد ما عندك من النعم يهون على كم فقدت، وأما بنعمة ربك فحدث، نعم كثيرة، ولأنك ألفتها هانت عليك، وكبرت عندك المفقودات عدد ما عندك من النعم، يهون عليك ما فقدت من النعم، أو نزل بك من الابتلاء والمحن.
تهويل كل حادثة
ويرى الدكتور صالح بن سعد اللحيدان المستشار القضائي، مستشار الجمعية العالمية للصحة النفسية بدول الخليج والشرق الأوسط: أن هذه الحالات حسب تحليلي وفهمي وماتم عرضه علي في أوقات متفاوتة، يكون وفق النقاط التالية:
* حالة مؤقته بسبب دَين أو مُشكلة عارضة فيُحس بضيق وهذا يزول بزوال السبب لأنه في اللاشعور مؤقت.
* الضيق التوهمي وهو تهويل كل حادثة أومرض ما فيُضخم هذا لكنه يزول بواقعية التفكير.
* الضيق القلقي وهذا يحصل أن اللاشعور يكمن فيه معاناة إبان الطفولة المبكرة وقد ينقلب إلى اكتئاب، وأرى أن يراجع الطبيب النفسي.
* نقص الثقة في النفس تولد هذا الضيق وقد يتولد منه الدوام فهنا لابد للشخص نفسه من أن يكون واقعياً متزناً ويحاول القراءة المركزة.
* الضيق والهم بسبب أن الطموح أكبر من القدرات العقلية فيتعب تلقائياً وينزوي وينشد البديل الذي هو دون مراده وهذا يجب أن يراجع الطبيب النفسي.
صدرك ضايق
ويشير الدكتور عبدالرحيم بن محمد المغذوي أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً: إلى أن ضيقة الصدر أمر معروف منذ القدم ومازالت إلى اليوم تشتكي الناس من ضيقة الصدر، ولقد اختلف الأطباء والحكماء في توصيف مرض ضيقة الصدر واختلفوا في وصفات علاجها، لكن تعد ضيقة الصدر من الامراض أو العوارض التي تطرأ على الإنسان في مجريات حياته لأسباب كثيرة جداً متنوعة منها مايتصل بشخصية الإنسان وطبيعته ومزاجه واستعداده ومنها مايتصل بظروف العيش والحياة والتعامل مع البشر، وبالتالي يختلف العلاج من حالة إلى أخرى فهنالك الأدوية الطبية، وهنالك العلاجات النفسية، وأخرى علاجات روحية لكن أفضل شيء للإنسان هو القناعة والرضا بقضائه سبحانه وعدم تكليف النفس فوق طاقتها، وكذلك المداومة على قراءة القرآن الكريم والمحافظة على الصلاة في أوقاتها وعدم النظر إلى مالاطائل منه ولامقدرة عليه وترك مالايعنيك في الحياة والتصالح مع النفس ومع الآخرين.
ضيق التنفس عند التوتر
وينبه الدكتور عادل بن عبدالتواب الشناوي استشاري الأمراض الصدرية بمستشفيات الحمادي بالرياض: إلى أنه يمكن أن يؤثر القلق والتوتر بشكل كبير على الصحة العقلية والجسدية، وقد يتسببان في ظهور أعراض معينة، مثل:ضيق التنفس، بجانب أعراض جسدية أخرى، مشيراً إلى أسباب ضيق التنفس عند التوتر:
قد يتزامن حدوث بعض الأعراض الجسدية عند بعض الأشخاص عند الشعور بالقلق والتوتر، مثل ضيق في التنفس وزيادة في معدل ضربات القلب، ويحدث ذلك نتيجة محاولة الجسم التكيف مع المواقف التي قد تشكل تهديدًا للحياة، أوفي حالة المواقف التي تستدعي الفرار أو المواجهة، ولهذا تصبح هذه الأعراض رد فعل جسدي للتعامل مع بعض المواقف، مثل:حالات القلق اليومية.
لذا قد يحدث ضيق التنفس عند التوتر نتيجة حدوث تغييرات سلوكية وفسيولوجية تعد الشخص للدفاع عن نفسه ضد أي تهديد، إذ يتفاعل الدماغ مع المواقف المخيفة باستجابة القتال أوالهروب، وتزيد أيضًا معدل ضربات القلب لضخ الدم إلى الأعضاء بشكل أسرع، مما يجعل العضلات جاهزة للعمل، كما أنه يجعل الشخص يتنفس بسرعة أكبر لتوفير المزيد من الأكسجين للعضلات، وبالتالي يحدث ضيق التنفس.
وقد تظهر العديد من الأعراض الجسدية والنفسية التي تسبب الازعاج عند التعرض لحالات القلق، ومن بين هذه الأعراض:
ضيق التنفس، ولكن لايعاني جميع المصابين بالقلق من هذا العرض، كذلك يمكن أن يتسبب القلق في مجموعة من الأعراض الجسدية والنفسية الأخرى، والتي تشمل ما يلي:
جفاف الفم، وزيادة معدل ضربات القلب، والدوخة، والتعرق، والقشعريرة، والغثيان أوعدم الراحة في المعدة، والإسهال، وشد عضلي، وزيادة في معدل التنفس، وألم في الصدر، والشعور بالاختناق، وصعوبة الكلام.
كذلك تم ربط ضيق التنفس أيضًا بالأمراض والاضطرابات المزمنة، بما في ذلك:
فقر دم، وأمراض القلب، وأمراض الرئة، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، والربو، والسمنة.
قد تؤثر حالات القلق الشديدة أيضًا بشكل سلبي على جهاز المناعة، والقلب والأوعية الدموية، والجهاز الهضمي، والإنجابي، وأنظمة النوم، وقد تزيد احتمالية الإصابة بأمراض أخرى، ولذلك إذا كانت مستويات القلق مرتفعة باستمرار، فيجب التحدث إلى أخصائي الصحة العقلية للحصول على الدعم والعلاج اللازم.
صلابة نفسية إيمانية
وتقول الدكتورة سارة بنت ملتع القحطاني أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الكويت: إذا كانت الصلابة النفسية تعرف بأنها مجموعة من السمات تتمثل في اعتقاد أو اتجاه عام لدى الفرد في فاعليته وقدرته على استغلال كل المصادر النفسية والبيئية المتاحة كي يدرك بفاعلية أحداث الحياة الضاغطة الشاقة إدراكاً غير محرف أو مشوه، ويفسرها بواقعية وموضوعية ومنطقية، ويتعايش معها على نحو إيجابي». فإن بين هشاشة الإنسان المعاصر، والبعد عن المفاهيم الشرعية بشقيها الإيماني والسلوكي علاقة طردية.
ولقد جاءت القاعدة الربانية في التعامل مع مجريات الحياة بمشاهدها المختلفة في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
فتحقيق مقام العبودية = يعني صلابة نفسية إيمانية يواجه بها مشاهد الحياة متيقناً أن الله غالب على أمره؛ لأنه الرب وليس عليه إلا الاستسلام لأمره الكوني بالقبول والشرعي بالإستعانة به على التجاوز وهذه تمثل الصلابة النفسية السلوكية. ولهذا فإن مدار الأمر أن في بناء الصلابة النفسية هي أن يعرف الإنسان حقيقة ضعفه إذ هو عبد، وأن يتقوى بإيمانه إذ يعلم أن له رباً، وليس له ذاك إلا إذا امتثل لأوامر الشرع ونواهيه.
وقد نهى الشرع عن التلبس بالمشاعر السلبية كالحزن والخوف واليأس والقنوط ونحوها، وبين أنها من تسلط الشيطان على الإنسان، فالشيطان {يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء}، كما أنه {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ}، وأيضاً (إنما يريد الشيطان ليحزنهم).
فحقيقة الأمر تتعلق بمواجهة العدو الأكبر للإنسان، ولذا قال تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
ولذا يمكن القول إن الصلابة النفسية عبارة عن مزيج من ثلاثة مواقف يحكمها الشرع هي:الالتزام:في العبادات، وضبط النفس: في السلوكيات، والمواجهة:في معرفة حقيقة النفس والكون والحياة والتعرف على مداخل الشيطان علي النفس، فهو العدو الحقيقي للانسان والحياة.