يعتبر الغضب غريزة فطرية, لا سبيل إلى تجاهل أثرها في حماية النَّفس, لأن الغضب عامل من عوامل الإرادة, يشد العزائم, ويوقظ المشاعر, ويحرك كوامن النَّفس, ويثير قدرات كانت كامنة ومسترخية, فالمرء يتعرض تارة في حياته إلى أخطار مهلكة, ولابُدَّ من قوَّة تحميه وتدافع عنه عما يهدده من أخطار ومهالك, فالغضب قوَّة تثور من باطن المرء وتؤدي إلى غليان الدم في القلب, وتنتشر في سائر العروق وترتفع إلى أعلى البدن, كما ترتفع النار إلى الأعلى وتبرز معالم الغضب من خلال اصفرار الوجه وإحمرار العينين مما تجعله يتيه في صحراء مقفرة, ويضل ولا يجد طريقاً للهداية, فتصبح الدُّنيا في وجهه مظلمة, وتنكفئ قدراته العقلية, وتتوقف مدركاته الحسيَّة, فلا يرى ما يراه الناظر, ولا يسمع ما يسمعه السامع, مما يجعل التوازن في النفس والبدن, في حاله إخلال, وتعصف كما قيل إن المرء - مركب من حرارة ورطوبة, وبينهما تضاد, فالحرارة تحلل الرطوبة وتجففها وتبخرها, إلى أن يصل الغذاء إلى البدن, فيعيد التوازن إلى الجسم ويعوضه عما فقده بسبب الحرارة. وبالرغم من دور الغذاء في إيجاد التوازن في الجسم, فإن انفعال الغضب يهدّ البدن ويميت القلب لأن قوَّة الغضب تضاعف الضغط على ذلك القلب, وتفعل ما تفعله النار في الكهف المغلق من انشقاق أطرافه، وانهداد أعاليه على أسفله حيث تبرز آثار الغضب في النَّفس البشريَّة اختلافاً في اللون, ورعدة في الأطراف, واضطراباً في الحركة, وإحمراراً في الأحداق. فإن أصحاب الغضب هم أهل الإرادة, وهم الأقدر على رياضة أنفسهم لأن الرِّياضة تحتاج إلى إرادة, والإرادة لا بُدّ لها من غضب يقويها ويدعمها ويغذيها في النَّفس ولهذا نلاحظ أن ضعف الإرادة مرتبط بضعف قوَّة الغضب في النَّفس, فالإرادة حالة غضب, وكلما قويت عوامل الغضب في النفس قويت الإرادة, وإنما المراد بالغضب الاستعداد الطبيعي للغضب في حالة الغضب - حيث يعتبر العقل من أهم قيود الغضب, وحدوده وأسبابه لأنه يتحكم في حجمه معلقاً على قدرات الإنسان في توجيه غضبه وفي حالة ذلك الغضب, تكون قوة الغضب غالباً تتجاوز حدود الاعتدال متحديه سياسة العقل, متجاهلة قيم الدين, وبهذه الدرجة تفقد الإنسان قدرته على اختيار أفعاله وتصرفاته, وتجعله عاجزاً أمام سيطرة قوَّة الغضب عليه, وتجعله مشلول الإرادة فاقداً بصيرته ونظره.