الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..
ففي ليلة أول عشرٍ بقين من شهر رمضان الكريم من العام خمسة وأربعين وأربعمائة وألف من الهجرة، صعدت الروح الطاهرة إلى ربها من الجسد الطاهر لأختي وأمي الثانية، وِأنيسي ومهجة روحي: هيا بنت إبراهيم بن محمد الخلف، الأسلمية الشمرية، بعد تسعين سنة من عمرها المبارك، وأحتسب عند الله عزوجل وأسأله أن تكون من الذين تصعد ملائكته بروحها في السماوات العلى تنادي من سماء إلى سماء افتحوا الباب للروح الطاهرة، الواصلة رحمها، الباذلة معروفها، الباسطة وجهها، الصابرة المحتسبة، وأسأله سبحانه أن يحسن وفادتها عليه، ويضيفَّها رحمته، ويقبلها عنده مع الشهداء والصالحين.
كانت رحمها الله مفعمة بحب الحياة بقلبٍ مؤمن، وإيمانٍ راسخ، ويقينٍ يغلب كل وهن وشك وريبة؛ فلا تدع العمرة إلى بيت الله في كل عام، وتبادر إلى مساعدة المحتاجين، وملاعبة الأطفال، وبسط الموائد العامرة لأهلها وضيوفها، واصلة لرحمها، تسأل عنهم وتلاطفهم، وتكرم مسنَّهم، وتحتفي بشبابهم، وتتفقد المحتاج منهم، وتفرح الفرح العظيم إذا زاروها؛ فتعظم إكرامهم وتتفنن في إسعادهم. تطربُ للطرفة الجميلة، وأبيات الشعر اللطيفة، وقد تغنيها معك حتى وهي في سن التسعين من عمرها، وفي شدة مرضها لا تدع الابتسامة حتى لو مجاملة لمحدثها.
عاشت رحمها الله مع زوجها الشيخ حمد بن عبد الله الراشد - رحمه الله - هي وشريكتها فيه زوجته الأولى حصة بنت عبد العزيز الراشد، صاحبة الدين والخلق والأدب الجم في بيتٍ واحد؛ فكانت أختي معها كروحين في جسد واحد في حسن العشرة والجوار، وكم كانت أختي بعد وفاة جارتها تدعو لها وتذكر محاسنها.
إذا زرتُ أختي (هيا) -رحمها الله-، تحلق روحي معها بما تفيضه عليَّ من الحب والإكرام، وأجد نفسي جذلى بما تغمرني به من الود واللطف وجميل الحديث، وربما غنيت معها ببعض الهجينيات من شعر والدنا إبراهيم - رحمه الله -، فمن يلومني لو هِمتُ بها أختاً، وأماً، ومربيةً، وحكيمةً، ومعلمةً، ومؤنسةً ومؤدبةً، وروحاً محلقةً تطمئن بحديثها نفسي، وأجد فيها رائحة والدي إبراهيم في حسن حديثه، ولطف معشره، ورحمته، وشفقته وحبه للمساكين، فلله هذه الكريمة من ذاك الكريم، رحمهما الله وجمعنا بهما في جنته.
وآهٍ يا أختي «هيا « كأنما نُزعتِ من قلبي الذي طالما حلَّقتِ به، وإذا هو بعدك كطائر محبوس في قفص يصفق بجناحيه لكنه محبوس، ولكن يُعزيني رجائي أن يكرمني الله بلقائك في الجنة حيث لا حزن، ولا فراق، ولا كدر، على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين؛ فاللهم بلغنا واجمعنا مع والدينا وأهلينا على حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
معاشر الأبناء والإخوان: استدركوا ما فات وارعوا من هو بينكم اليوم من والد، ووالدة، وعم، وعمة، وخال، وخالة، وأخ، وأخت، قد بلغ بهم الكبر فأصبحت ساعاتهم معكم قصيرة مهما طالت. استدركوا ما فات، وتنعموا بالبقية من أعمارهم بالبر والإحسان، وربوا أنفسكم وطيّبوا قلوبكم بما بقي لكم عندهم من إيمان، ودين، وعلم، وتجارب، قبل ساعة الندم والحسرة فتقولوا ليتنا وليتنا حيث لاساعة مندم..
رحم الله أختي (هيا)، وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة، ورفع درجتها في المهديين.
**
- عبدالله بن إبراهيم الخلف