في وطني الغالي تنتشر المساجدُ في كل صقعٍ من أصقاعه وفي كل مدينةٍ من مدنه وفي كل قريةٍ من قراه ويتسابق في بنائها ولاة الأمر الكرام -حفظهم الله- وأهل الجود واليسار من المواطنين الأوفياء -وفقهم الله- سعيًا في رفعة بيوت الله ورغبةً في ثواب الله وهذا بحق يُثلج الصدر ويبهج القلب, فالمآذن تصدح بصوت الحق في فضاءات الوطن وتملأ آفاقه فيحلُّ الأُنس في الأرواح وتنزل السكينة على القلوب فيذهب الناس زرافاتٍ ووحدانًا مجيبين داعي الحق يبتغون فضلاً من الله ورضواناً فتسعد بهم المساجد وتستقبلهم بنظافتها المميزة وروائحها الطيبة فيتقربون إلى الله فيها بالفرائض والنوافل وقراءة القرآن والذكر ولكن يُعكِّر الصفو فيها بعض المصلين - هداهم الله- الذين نسوا أو تناسوا أنهم في بيتٍ من بيوت الله وكلُّ آتٍ إلى الصلاة فهو ضيف الله قال عمر رضي الله عنه: المساجد بيوت الله والمصلي زائر الله وحق على المزور أن يكرم زائره ويسعد المصلي عندما يعرف أنَّ الله سبحانه وتعالى يبش بقدومه إلى المسجد للصلاة وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما توطن رجلٌ المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله تعالى إليه» أي قابله بالرضا والرحمة. فكيف يرضى المسلم أنْ يعكر صفاء إخوانه المصلين ضيوف الله ويؤذيهم بأمورٍ توافهٍ لا تليق به وهو المحافظ على الصلاة؟! فيُضايق الأئمة والمؤذنين ويتتبع عثراتهم ويغفل عن التعاون معهم على البر والتقوى وتوجيه النصح له إن بدا منهم تقصير متناسيًا أنهم بشر غير معصومين ويحضرني قول الشاعر:
أقلِّوا عليهم لا أبا لأبيكمُ
من اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا
وقد لايكون عندهم تقصيرٌ ولكن يحسدهم على مايتقاضونه من مكافأةٍ ماليةٍ مقابل ما يقوم به من واجب الإمامة والأذان اللذين هما واجبان ثقيلان ولا يعرف ثقلهما إلا من جربهما بل وأمانةٌ عظيمةٌ -أعان الله عليها من تولاها-. وقد ترى هذا المسكين الذي أغواه الشيطان يتحكم في المسجد في إنارته ومكيفاته وكأنه في بيته الخاص ويُضايق المأمومين بتصرفاتٍ غير طيبة مرضيًا الشيطان بصنيعه هذا وقد ينفِّر إخوانه المصلين من المساجد زارعًا كرهه في قلوبهم خاسرًا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين. ألا ما أجمل المساجد حين تحل فيها الألفة وتتألق فيها الأخوة ويسكن فيها الصفاء فيحلو بها اللقاء وتقوى بها رابطة الدين والعقيدة بين أهلها ومرتاديها الفضلاء ويبعد بين أهلها كل عداوةٍ وبغضاء فالصلاة زكاةٌ للنفوس وعلاجٌ للقلوب وهناءٌ لأفراد المجتمع ورقي لأخلاقهم متى ما أُديت على الوجه المطلوب وجُعلت عبادةً لا عادة وهنا أختم مقالتي بهذه الأبيات التي كتبتُها عن المسجد وأثره وبركته:
زرْ بقعةَ الخيراتِ والأنوارِ
واغنمْ ثوابَ الخالقِ الغفَّارِ
هي بقعةٌ ربي العظيمُ اختارها
هي ملتقى الأحبابِ والأخيارِ
فيها ارتياحٌ للنفوسِ ومسكنٌ
للقلبِ من ضيقٍ ومن أكدار
فيها لقاءٌ بالمليكِ إلهنا
سبحان ربي الأكرمِ الجبَّارِ
فيها ملائكةُ السماءِ تحفُّنا
تدعو لنا وتجودُ باستغفارِ
أهلُ الصلاةِ ذوو التقى عُمَّارها
فهمُ رجالٌ من أولي الأبصارِ
أهلُ الصلاةِ الوارثون لجنةٍ
فردوسِ عدنٍ منزلِ الأبرارِ