شاعر الحداثة والتجديد، شاعر الاختلاف والتفرّد لم يستطع أحد أن يقاسمه الريادة في هندسة كلماته فشيد لنفسه صرحاً خاصاً ومدرسة سبقت الزمن ليرسم خريطة للمجد فوق هام السحب..
الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن الذي اعتذر عن كل شيء (إلا الهوى) لم يجعل لنا مساحة للأعذار من بعده، فقد عاش مراحلنا الماضية والحاضرة والمستقبلية، البدر شاعر اختصر مشوار حياتنا العاطفية في مخيلته، اختزل الحب والصدق والشفافية، وانطلق بنا في بحرٍ، لا جزر له ولا مد، لنبقى غارقين فيه، فلا أمواج تنقلنا ولا مراسي.. شواطئه ترحال وسفنه بلا شراع أو مجداف، شاعر يحملك بالنوايا البيض ويعلقك في المدى حتى تبوح الحناجر ويقف الضمير الحي بينك وبين أشجانه..
الأمير البدر الذي غاب ولن تغيب كلماته التي نقشها على جدار الصمت ورحل (في وادي لا صدى يوصل ولا باقي أنين.. كتبت اسمك على صوتي كتبته في جدار الوقت على لون السما الهادي على الوادي على موتي وميلادي)
غاب البدر ولم تغب ملامحه ومواقفه التي عشناها معه منذ الطفولة في قصيدة مغناة، نبكي حيناً ونضحك حياناً آخر.. شاعر استطاع أن يرمم دواخلنا ببيت شعر، لم يكن مهندساً للكلمة ولا معمارياً شيّد أجمل القصور بكلماته، بل طبيب حان مضمد للجراح.. عاش البدر في غرفتي وبين أوراقي احتضنته الزوايا، كنت أخبئه تحت الوسادة واستثنيه في خلوتي الصامتة لأسافر إليه في نص شعري ينقلني من الأرض إلى السماء.
(وجه تصوره الحروف وأتخيله
شي احس انه قريب ما أوصله
انت اللي اعرفه زين واللي اجهله..)
الرجل الاستثنائي في حياة كل من عرفه، يفقده النص والأماكن والوفاء تفقده المروءة والشجاعة ويبكيه القرطاس والقلم.. رحمك الله يا فارس الأحلام ترجلت عن فرسك الأبيض ورحلت بهدوء موجع، عزاؤنا الوحيد إن هزمنا الشوق وتعثرت الذكرى واستعصت على النسيان بوحك البدري أيها البدر..
كل ما دعاني الشوق للقلب الأول
القى مكان القلب في الصدر تنهيد
أو هو الصبا.. نجمٍ رقى ثم حول
غاب وسما وجهي مشيب وتجاعيد
أحبابنا ليت الذي راح طول
وليت الذي باقي لما فات تجديد..
** **
- فاطمة عبدالرحمن