وأنا أشاهد هذا التجمع في المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض، وأرى الرياض تتوسط العالم عالمية بمعناها قولاً وفعلاً، حضر الرؤساء والقادة ورجال الأعمال والاستثمار ورجال الفكر والسياسة والاقتصاد، وحضر رجال ونساء من أعلام العالم.
أخذتني ذاكرتي لعام 1998م عندما زرت السيد (غيتس) بمكتبة البسيط بمقر (مايكروسوفت) في مدينة سياتل بولاية واشنطن. كانت زيارتي له بناء على توجيه من - المغفور له بإذن الله - الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حين كان يتساءل عن موضوعين كان أحدهما يقلقه، الأول: موضوع الـ(2YK) الذي كان يشغل العالم آنذاك، والثاني: كان يحمل آماله، ألا وهو دور الكومبيوتر في مساعدة المرأة السعودية وتمكينها من المشاركة في المسيرة الحضارية لوطننا بالعمل من منزلها وتساهم في وقت فراغها بالاستفادة والإفادة.
من كتابي «التحول المعرفي»
قبل أن أختتم الحديث عن التدريب، أود أن أشير إلى خطوة مكنني منها مؤسس الحرس الوطني الحديث الملك عبدالله بن عبد العزيز - يرحمه الله - في عام 1998م، عندما قمت بزيارتي إلى مقر «مايكرو سوفت» في مدينة سياتل بولاية واشنطن لمقابلة السيد بيل غيتس، ومناقشته في سبل التعاون بالنسبة لبرامج الأنظمة المستخدمة في النظام الحكومي ومطابقتها مع متطلبات منظمة التجارة العالمية. فقد وجهني - يرحمه الله - إلى سؤال السيد غيتس عن موضوعين: الأول يتعلق بما يسمى Y2k» وهو ما يتحدث عنه من تأثير على أنظمة الكومبيوتر والبرمجة بحلول عام 2000م، والثاني هو الدور الذي سيساعد فيه هذا الجهاز على تمكين المرأة السعودية من استخدام الكومبيوتر من بيتها إضافة إلى عملها، ويوفر لها مصدر دخل إضافي. وقد تحمس السيد غيتس لهذا الموضوع، ووعد بإرسال مسؤولين من مايكروسوفت لمناقشة هذه المسائل مع الجهات المسؤولة في الحكومة السعودية بأسرع وقت ممكن.
وأذكر طرفة حصلت قبل وداعي له عندما قدمت له هدية هي عبارة عن مجسم منمنم لسيف سعودي صنع في مكة المكرمة يستخدم لفتح الرسائل الورقية، غير أني وأنا أقدم الهدية التي أعتز بأنها من صناعة مكة المكرمة تنبهت إلى أنها هدية غير مناسبة لإنسان يقود ثورة المعلومات والتحول إلى التعامل الرقمي ليتخلص من استعمال الورق، فاعتذرت منه قائلاً: «يبدو أنني أحضرت الهدية الخطأ»، فرد قائلاً: «بالعكس، سأحتفظ بها لكي أفتح بها الأشياء الأهم». بعد ذلك بأسابيع قليلة، أرسل غيتس مجموعة من قيادات الشركة وعلى رأسها المسؤول الأول عن أوروبا والشرق الأوسط، وتشرف الوفد بمقابلة الملك في مقر الحرس الوطني، كما قابل العديد من الوزراء ورجال الأعمال، ورفع مقترحاً للتعاون إلى المقام الكريم بتاريخ 11 مايو 1998م، ويهدف هذا المقترح إلى:
1 - تطوير الاهتمام والتوعية بأهمية استعمال البرامج الأصلية وحماية حقوق الملكية الفكرية.
2 - تقديم الحلول العملية للمنشآت الحكومية للانتقال إلى بيئة البرامج الأصلية.
3 - تقديم المساندة الفنية والاستشارية والتدريب للمنشآت الحكومية.
4 - توفير البيئة المناسبة لجذب رؤوس الأموال للاستثمار في مجال صناعة البرمجيات والمعلومات وخصوصاً البرمجيات العربية.
5 - توفير البيئة المناسبة المساندة لتأهيل المملكة في التفاوض مع الهيئات العالمية المعنية بمنظمة التجارة العالمية.
6 - مواكبة الاتجاه العلمي في تحول المجتمع السعودي إلى مجتمع المعلوماتية أسوة بركب الدول المتقدمة علمياً وتقنياً.
واشتمل العرض الفني على ثمانية جوانب متكاملـة هـي: تعبئة فريق المشروع، وإنشاء مركز المساندة تحت إشراف مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية والمسح الميداني لحصر الأجهزة والبرامج بالمنشآت الحكومية، وتوفير البرامج المساندة الفنية والاستشارية، التدريب، المساندة للجهات التعليمية، وبرنامج البحث العلمي. وتشكلت لجان ثم توسعت وتوسعت إلى أن انتهت من دون أن تنهي شيئاً.
أذكر أيضاً من تلك الفترة، أن الملك عبدالله - يرحمه الله - عندما استقبل السيد غيتس في مزرعته بالجنادرية بعد سنوات، سأله بصراحته المعهودة:
«سيد غيتس ما الذي جعل منك ما أنت عليه الآن؟» فأجابه الرجل من دون تردد: «شيئان أولاً: كان هناك شيء كبير وجعلت منه شيئاً صغيراً ومتوفراً، وثانياً: كان هناك شيء غال وعملت على أن أجعله غير مكلف وفي متناول الجميع».
أعود اليوم بعد ما يقارب ربع قرن، لأرى- والحمد الله - السيد غيتس حاضراً في المملكة العربية السعودية مع هذا الكم من القادة ورجال الأعمال يشاركون توجهات المملكة التي تعكسها استراتيجية رؤيتها 2030، ودورها الفاعل تجاه الأمن والاستقرار عالميا سواءً سياسياً، أو اقتصادياً أو مالياً أو إنسانياً وما شدني هذه المرة هو حضور السيد غيتس واهتمامه وحديثه عن المملكة ودورها الإنساني والشراكة التي أبرمها باتفاقية مع وزارة الصحة السعودية ومؤسسة (بيل وميليندا غيتس) وتهدف إلى تحسين مراقبة الأمراض وأدوات التشخيص وتوفير حلول صحية آمنة، بالإضافة إلى تقديم المساعدة الفنية لتعزيز قدرات المملكة في صناعة اللقاحات، وفقاً لإعلان وزير الصحة (فهد الجلاجل) في منتدى الاقتصاد العالمي خلال جلسة بعنوان (سد الفجوة الصحية)، شارك فيها ملياردير التكنولوجيا (غيتس).
كما أبرم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال (الإنسانية مذكرة تعاون مشترك مع مؤسسة (بيل وميليندا غيتس) لحماية 370 مليون طفل سنوياً من شلل الأطفال، ورفع ملايين الأشخاص من حالة الفقر في 33 دولة عضواً في البنك الإسلامي للتنمية.
كذلك وقعت مؤسسة محمد بن سلمان (مسك)، اتفاقية إطارية مع (بيل وميليندا غيتس) تعتزم بموجبها مؤسسة (غيتس) إنشاء أول مقر إقليمي لها خارج الولايات المتحدة بمدينة (مسك) غير الربحية في الرياض.
ووفقاً للإعلان فإن الاتفاقية تسعى إلى دعم وتعزيز مشاركة الشباب في القطاع غير الربحي في المملكة، وإطلاق برامج عالمية مشتركة في مجالات عمل المؤسستين.
كل هذا يثبت بدون أدنى شك - بعد الحمد والشكر لله - أن بلدنا بتوجهاتها التي تقوم عليها قيادتنا الرشيدة تسير على منهجها الذي رسم لها منذ تأسيسها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وأبنائه من بعده بدور ثابت أساسه تمسكها بثوابت عقيدتها، ومقاصد شريعتها التي هي أساس رسالة المولى - عزّ وعلا - للإنسانية جمعاء.
وفق الله جميع من قام وشارك في هذا التجمع العالمي، وأعان ومكن قيادتنا الرشيدة لبناء تلك الشراكات التي أساس أهدافها الإنسان صحةً وسلامة، وأمناً، واستقرارًا.
** **
- فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود